سجل مؤشرا «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك المجمع»، أمس الأول، أسوأ أداء فصلي منذ عام 2022، إذ أدت حالة عدم اليقين بشأن خطط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية إلى اضطراب سوق الأسهم الأميركية في الربع الأول من 2025.
أفادت صحيفة واشنطن بوست أمس، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن مستشارين في البيت الأبيض صاغوا خطة مقترحة لفرض رسوم جمركية بنحو 20% على معظم الواردات إلى الولايات المتحدة على الأقل.
وقالت «رويترز»، إن «فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدرس استخدام تريليونات الدولارات من عائدات الواردات الجديدة لتوزيع أرباح ضريبية أو استردادها».
وكان الرئيس الأميركي قال إن الرسوم الجمركية التبادلية، التي يعتزم فرضها هذا الأسبوع، ستشمل كل الدول، وليس عدداً محدوداً فقط.
وذكر ترامب، في تصريحات صحافية على متن المروحية الرئاسية الأحد الماضي، أن الرسوم الجديدة لن تقتصر على 10 دول أو 15 دولة لديها أكبر فائض تجاري مع الولايات المتحدة، وفق ما نقلت «رويترز».
يأتي ذلك بعدما أشار المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت إلى هذا الأمر في تصريحات سابقة لقناة «فوكس بزنس»، دون توضيح ما هي هذه الدول.
وأكد ترامب، في حديثه، أن ذلك الإجراء سيشمل كل الدول التي تفرض رسوماً جمركية على الصادرات الأميركية، واستهداف كل بلد بتعريفة مطابقة للتي تطبقها على الولايات المتحدة.
وسجل مؤشرا «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك المجمع» أمس الأول، أسوأ أداء فصلي منذ عام 2022، إذ أدت حالة عدم اليقين بشأن خطط إدارة ترامب الاقتصادية إلى اضطراب سوق الأسهم الأميركية في الربع الأول من 2025.
كما عانى المؤشران بشدة في مارس الماضي، إذ سجلا أكبر انخفاض شهري منذ ديسمبر 2022، مع فرض ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة، مما أثار مخاوف من حرب تجارية عالمية من شأنها أن تضر بالنمو الاقتصادي وتحفز التضخم.
وعلى أساس فصلي، انخفض المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 4.6%، بينما هبط المؤشر ناسداك المجمع 10.5%. كما نزل المؤشر داو جونز الصناعي 1.3%، وفق «رويترز».
وتراجعت أسواق الأسهم العالمية في وقت سابق وسجلت أسعار الذهب مستويات قياسية مرتفعة جديدة بعد أن قال ترامب الأحد الماضي، إن الرسوم الجمركية المتوقعة، التي سيعلن عنها الأربعاء (اليوم)، ستشمل جميع الدول.
وفرض بالفعل رسوماً جمركية على الألمنيوم والصلب والسيارات إلى جانب زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية.
عدم وضوح السياسة التجارية والرسوم الجمركية
وقال مايكل رينولدز نائب رئيس استراتيجية الاستثمار في جلينميد «يحلل المستثمرون كل كلمة صادرة عن الإدارة حالياً تتعلق بالتجارة».
وأشار رينولدز إلى أن الأمر لا يقتصر على الكشف عن تفاصيل الرسوم الجمركية نفسها اليوم، بل تأمل الأسواق معرفة آلية تطبيقها، مضيفاً أن مزيداً من الوضوح بشأن القواعد قد يكون في الواقع أمراً جيداً للأسواق.
وأدى عدم الوضوح بشأن السياسة التجارية والرسوم الجمركية إلى عمليات بيع في أسواق الأسهم الأميركية منذ بداية العام. وأثار احتمال فرض رسوم جمركية واسعة النطاق مخاوف من حرب تجارية عالمية من شأنها أن تضر بالنمو الاقتصادي وتحفز التضخم.
وسجلت المؤشرات الأميركية الرئيسية الثلاثة خسائر شهرية وفصلية كبيرة.
أسهم القطاع المالي
ومع ذلك، ارتفع المؤشر داو جونز، أمس الأول، وصعد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أيضاً من المنطقة السلبية في جلسة ما بعد الظهر ليغلق مرتفعاً بواقع 30.91 نقطة أو 0.55% ليغلق عند 5611.85 نقطة، وصعد المؤشر داو جونز الصناعي 417.86 نقطة أي بنسبة 1% ليصل إلى 42001.76 نقطة. وخسر المؤشر ناسداك المجمع 23.70 نقطة أو 0.14% ليصل إلى 17299.29 نقطة.
وساهمت أسهم القطاع المالي في دعم «ستاندرد آند بورز 500»، وتقدم سهم ديسكفر للخدمات المالية 7.5%، وسهم كابيتال وان المالية 3.3%، إذ راهن المستثمرون على الموافقة على اندماجهما.
وعانت أسهم التكنولوجيا من بعض الضعف، مع قلق المستثمرين بشأن خطط إنفاق الشركات على الذكاء الاصطناعي.
أسهم «تسلا» تتراجع بـ 36%
وانخفضت أسهم تسلا بنحو 36% في الربع الأول، كما انخفضت أسهم شركة إنفيديا بنحو 20%.
ونتيجة للغموض بشأن الرسوم الجمركية، رفع «غولدمان ساكس» احتمالية ركود الاقتصاد الأميركي من 20% إلى 35% وخفض هدفه لنهاية العام لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى 5700 نقطة، وتوقع اتجاه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) لخفض أسعار الفائدة أكثر.
وانخفضت أسهم شركات الأدوية بعد تقارير تفيد بإجبار كبير مسؤولي اللقاحات في إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية على الاستقالة. كما انخفض سهما موديرنا وفايزر.
وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، انقلبت الأسواق المالية رأسا على عقب، فبعد فوز الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، انطلقت موجة من التفاؤل دفعت بورصة وول ستريت وسوق العملات المشفرة إلى مستويات قياسية.
ولكن سرعان ما تحولت هذه المكاسب إلى تقلبات حادة، مما طرح تساؤلات جوهرية: هل تغيرت قواعد اللعبة في الأسواق العالمية؟
فترامب دعا مرارا خلال حملاته الانتخابية إلى خفض أسعار الفائدة، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لبلاده، وزيادة حجم الصناعات المحلية، وتكوين احتياطي استراتيجي من عملة البتكوين، وهو ما دعم أداء كل من وول ستريت وسوق العملات المشفرة.
وفور إعلان فوزه، حقق السوق الأميركي والعملات المشفرة، موجة مكاسب قوية مدفوعة بتلك الوعود الاقتصادية.
لكن خلال أقل من 3 أشهر بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد وسوق مالي في العالم، شهدت أسواق الأسهم تقلبات حادة ومفاجآت غير متوقعة، في حين سجلت العملات المشفرة تذبذبات كبيرة.
وتأثرت العديد من البورصات حول العالم جراء التقلبات في وول ستريت، مدفوعة بمخاوف المستثمرين من إمكانية حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي، ودخول الولايات المتحدة في صراعات تجارية مع دول مثل الصين مما قد يؤثر على الاقتصاد العالمي.
وتسببت تقلبات وول ستريت في تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 2% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب، كما تراجع مؤشر ناسداك بنسبة 10% خلال الفترة نفسها.
في المقابل نجا مؤشر إس آند بي من الخسائر، إذ ارتفع بنحو 5% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، لكنه لا يزال بعيداً عن أفضل مستوياته التي سجلها في العام الحالي، التي سجلها خلال فبراير الماضي بنحو 9%.
وفي هذا الإطار صرح «نيكولاس فورست»، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «كاندريام لإدارة الصناديق متعددة الأصول» في تصريحات نقلتها «رويترز»، بأن الطريقة التي غيّرت بها الأسواق مسارها كانت لافتة للنظر.
وأشار إلى أنه في حين كان الخطر الرئيسي في يناير الماضي يتمثل في أن سياسات ترامب «أميركا أولاً» ستدفع التضخم إلى الارتفاع مجدداً وتمنع خفض أسعار الفائدة الأميركية، فقد أصبح «الآن، الخطر الأهم هو خطر الركود».
وبالفعل لم تسر الأمور كما خطط ترامب لها، إذ بدأت الأسواق في اتخاذ ردود أفعال على التداعيات المحتملة لسياساته التجارية المتشددة، مما زاد من حالة عدم اليقين بين المستثمرين.
وإضافة إلى ذلك، أدى تصاعد التوترات مع الصين والاتحاد الأوروبي بسبب فرض تعريفات جمركية جديدة، إلى تراجع ثقة الأسواق العالمية، خصوصاً في القطاعات التي تعتمد على سلاسل التوريد الدولية مثل التكنولوجيا وصناعة السيارات.
كما أنه منذ تولي ترامب منصب الرئاسة، اجتمع الاحتياطي الفدرالي الأميركي مرتين متواليتين دون أن يخفض أسعار الفائدة ليخالف رغبة الرئيس الجديد، مما زاد من مخاوف المستثمرين بشأن تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
وكانت الأسواق تأمل أن يخفف «الفدرالي» من سياسته النقدية الصارمة لدعم النمو، إلا أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة عزز المخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة ركود.
وفي هذا السياق، أشار محللون في «مورغان ستانلي» إلى أن استمرار «الفدرالي» في سياسته المتشددة، إلى جانب السياسات التجارية الجديدة، قد يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الاستثمار، لا سيما في قطاعات مثل التكنولوجيا والعقارات، التي تعتمد بشكل كبير على تكلفة الاقتراض.
كما أن ضعف البيانات الاقتصادية في الربع الأول من عام 2025، مثل انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع نمو الوظائف، عزز القلق حول مستقبل الاقتصاد الأميركي.
وأدى ذلك إلى ارتفاع معدل تقلبات الأسواق، إذ سجل مؤشر «فيكس»، الذي يقيس تقلبات سوق الأسهم، أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، ما يعكس ارتفاع حالة التوتر وعدم اليقين لدى المستثمرين.
وأصبحت الصورة أكثر ضبابية بسبب التغيرات المفاجئة في السياسات الاقتصادية والمالية لإدارة ترامب، مما دفع العديد من المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة مثل الذهب الذي ارتفع بنسبة 17% خلال الربع الأول من عام 2025.
ولم يقتصر التراجع على السوق الأميركي، بل امتد ليشمل بورصات أخرى حيث شهد مؤشر فوتسي 250 في بورصة لندن انخفاضا بنسبة 3.7% منذ بداية العام الحالي.
في حين تراجع مؤشر «نيكي 225» الياباني بنسبة 5.6% خلال الفترة نفسها بسبب مخاوف من تراجع الطلب العالمي.
وبالتوازي مع ذلك، تعرضت الأسواق الناشئة لضغوط إضافية نتيجة ارتفاع عوائد السندات الأميركية، مما دفع المستثمرين إلى تحويل رؤوس أموالهم بعيدا عن الأصول ذات المخاطر العالية.
ومع ذلك استطاعت بعض الأسواق في أوروبا تحقيق مكاسب خلال تلك الفترة مدعومة ببعض الأنباء المحلية الإيجابية.
ففي البورصة الألمانية، ارتفع مؤشر السوق الرئيسي داكس بنحو 12% خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث جاء هذا الارتفاع بشكل رئيسي مدفوعا بخطة ألمانيا لزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، مما دفع أسهم شركات الدفاع والتكنولوجيا لتحقيق مكاسب قوية.
0 تعليق