«حكومة الصلاحيات الاستثنائية» تتنكر لمشاريعها الاقتصادية!

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع بداية الأسبوع المقبل، تكون الحكومة الكويتية التي شُكلت في 12 مايو من العام الماضي قد بلغت 8 أشهر من عمرها، مما يفتح المجال بشكل أكثر موضوعية لتقييم أعمالها وفق الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها استثنائياً بعد حل البرلمان، خصوصاً في الجانب المتعلق بالاقتصاد والمالية العامة ومختلف الخدمات الأساسية.

ومع أن فترة الـ 8 أشهر الماضية كانت كافية كي تتهيأ لمجلس الوزراء كل الظروف الخاصة بتشريع وتنفيذ القوانين والتوجهات الاقتصادية، إلّا أن الحكومة لم تكتفِ فقط بعدم إصدار برنامج عملها أو حتى خطتها التنموية، بل أيضاً امتدت مسألة «عدم الإنجاز» الى القوانين التي دائماً ما حملت الحكومات السابقة على مدى أكثر من عقد من الزمان مجالس الأمة المتعاقبة مسؤولية تعطيلها أو رفضها، وهو اتهام من خلال التعامل الحكومي الحالي بتجاهل أو التنكر لهذه القوانين والمشاريع على ما يبدو غير دقيق، فضلاً عن أن الحكومة الحالية ذاتها تعهدت عند بدء أعمالها بعد تشكيلها بتنفيذ العديد من السياسات العامة أولها تحديد الأولويات وفق خطة عمل وجدول زمني، والإسراع في تنفيذ مشاريع استراتيجية وتطوير القطاعات الاقتصادية والخدمات الحكومية الرقمية، إلا أن واقع الحال العملي يشير الى عكس ما صدر عن اجتماع مجلس الوزراء الأول والتصريحات الوزارية ذات العلاقة.

الصلاحيات الواسعة يُفترض أن تقابلها مسؤولية كبيرة وكلتاهما تتطلب برنامج عمل يتضمن الاحتياجات التشريعية أو الإجراءات العامة

فرضية وجديّة

ومع تأكيد أن المشاريع والتوجهات الحكومية خلال السنوات الماضية لم تكن جميعها حصيفة أو ضرورية من حيث الرؤية الاقتصادية أو أولوية الإدارة العامة، إلّا أنها كانت في مقدمة خطاب الحكومة الاقتصادي لسنوات طويلة، ومحوراً أساسياً لخطابها الموجّه للرأي العام وفي شكواها من تعطيل البرلمان لخططها، وهنا لا نناقش فرضية مدى تعطيل البرلمان لمشاريع الحكومة الاقتصادية، فهذه مسألة تحتاج الى كثير من البحث، بل جدية الحكومة ذاتها في صياغة قوانينها وتنفيذ مشاريعها أو حتى تعيين قيادييها من عدمه، والأهم من ذلك تنفيذ تعهداتها.

فبعد مرور 8 أشهر على تشكيلها، لم تتقدم الحكومة بأي من القوانين التي كانت على رأس أولويات خطابها الاقتصادي منذ سنوات طويلة، وبعضها ضروري وبعضه الآخر يحتاج إلى تروٍّ، ولكن وفق رؤية وبرنامج واضحين، إذ غابت قوانين معظمها ضروري، كالمنطقة الاقتصادية الشمالية أو التمويل العقاري أو البديل الاستراتيجي أو الصكوك الحكومية أو إعادة تسعير أملاك الدولة أو إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية، فضلاً عن قوانين ليست شعبية، وبالأصل تحتاج إلى سياسات حكومية أكثر موثوقية كقوانين الدين العام أو ضريبتي القيمة المضافة والانتقائية أو السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة.

ولسنا في معرض المطالبة بإقرار قانون ما بصيغة معيّنة من عدمه، بل بغرض بيان عدم تقديم أي مشروع قانون اقتصادي حكومي طالما كانت تعتبره الحكومات السابقة أولوية قصوى، وكررتها الحكومة الحالية في بداية أعمالها، والتي حازت صلاحيات واسعة لم تحصل عليها أي حكومة أخرى، فتنكرت لمشاريعها وخطابها الاقتصادي - بغضّ النظر عن جودته أو حصافته - بل قدمت فقط قانونين لم يكونا يوماً من ضمن أولوياتها، الأول هو قانون ضريبة الشركات المتعددة الجنسيات، وهو التزام دولي وفق اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والثاني هو مسودة أولية لقانون التجارة الإلكترونية.

الخطاب الاقتصادي الحكومي المتوارث من حكومات سابقة يبقى مسؤولية الحكومة الحالية ما دامت لم تبادر بتبنّي خطاب جديد ومشروع مختلف

إجراءات وتعيينات

بل إن المشاريع والخطط الحكومية التي لا تحتاج إلى مشاريع قوانين كدمج الهيئات الاقتصادية المتشابهة أو دمج شركات القطاع النفطي تسير ببطء شديد أو عكس الاحتياجات الحقيقية أو سد شواغر القياديين بمؤسسات غاية في الأهمية والحساسية، كهيئة أسواق المال، أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية، أو هيئة الصناعة، أو الإدارة المركزية للإحصاء، أو الأمانة العامة للتخطيط، وغيرها العديد من الجهات والوزارات - بما يناهز 140 منصباً حكومياً - رغم عدم وجود «ضغوط أو واسطات» يمكن أن تخضع لها حكومة الصلاحيات الواسعة هو أمر يثير كثيراً من الشكوك والريبة ليس فقط تجاه جدية الخطاب الإصلاحي الحكومي، بل جودة الإدارة العامة في مجملها.

حكومة وحكومات

وربما يقول البعض إن الحكومة الحالية يجب ألّا تتحمل مسؤولية رؤى وتعهدات الحكومات السابقة، ومن الحيادية تقييم أدائها من خلال خطابها الاقتصادي وليس خطابات سابقة.

وفي الحقيقة أن الحكومة الحالية أو سابقاتها هي حكومة جينات ومحاصصة وليست حكومة أحزاب أو تيارات أو برامج، وهي واحدة في سياساتها، حتى لو اختلفت في شخوصها، وبكل الأحوال إن كانت بالفعل تختلف عن سابقتها، فهذا أمر إيجابي بشرط أن يتضمن هذا برنامج عمل واضحا، وهو ما لم يصدر حتى اليوم، وبالتالي يبقى الخطاب الاقتصادي الحكومي المعتاد، أو لنقُل المتوارث من حكومات سابقة، مسؤولية الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى، طالما لم تبادر بتبنّي خطاب جديد ومشروع مختلف وبرنامج عمل جاد وعملي، بل إن بيانات خطابات الحكومة الحالية في الشق الاقتصادي تحديدا هي امتداد لسياسات وتعهدات أي حكومة سابقة.

دائماً ما شكت الحكومات السابقة من عدم إقرار قوانين اقتصادية كالمنطقة الشمالية والبديل الاستراتيجي والصكوك والتمويل العقاري والتأمينات... لكنها لم تقدّم أياً منها!

صلاحيات ومسؤولية

والكويت، بلا شك، تحتاج ليس فقط إلى خطاب أو برنامج اقتصادي جديد، بل إلى جدية وجودة في أعمال الإدارة العامة التي تواجه تحديات الاستدامة في قطاعات مختلفة، لا سيما انحراف سوق العمل أو محدودية تنوّع إيرادات المالية العامة أو الاختلال في التركيبة السكانية، فضلاً عن محدودية حجم الناتج المحلي الإجمالي وشبه أحادية مكوناته، فضلاً عن تراجع مستوى الخدمات، كالتعليم والإسكان والطرق، رغم تصاعد تكاليفها المالية.

وبالتالي، فإن عدم استغلال الوضع الاستثنائي بصلاحياته الواسعة في إطلاق مشروع إصلاح اقتصادي واضح المعالم يربط خطط التنفيذ بأهداف التنمية والاستدامة سيؤدي الى نتائج عكسية تتصاعد فيها المطالب الشعبوية بكل تكاليفها الإدارية والمالية، طالما لم يتحقق إنجاز اقتصادي واضح أمام المجتمع، فالصلاحيات الواسعة يفترض أن تقابلها مسؤولية كبيرة، وكلاهما يتطلب في حده الأدنى برنامج عمل يتضمن الاحتياجات التشريعية أو الإجراءات العامة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق