الثقافة المحظورة!

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كثير من الروايات والقصص، الحقيقية والخيالية، تحولت إلى أعمال تلفزيونية وأفلام سينمائية، وحازت على جوائز "أوسكار" وغيرها، لذلك أصبحت لدينا ثقافة مسموعة ومرئية، أي ثقافة سينمائية وفنية.

وزارة الإعلام، قبل وبعد إضافة الثقافة لها شكلا وليس موضوعاً، استجابت للصوت الصاخب للجماعات الإسلامية المتزمتة التي قادت المشهد النيابي قبل حل مجلس الأمة، وتحديداً خلال الفترة بين 2013و 2020 وبعد ذلك أيضاً، وأجازت الوزارة بعض أجزاء من الأعمال السينمائية، وحذفت من السيناريو كثيراً، ومن الصور أكثر!

تشتت ذهني وتركيزي في لندن على فيلم سينمائي "Heretic"، وهو فيلم سيكولوجي وفلسفي عن الأديان والإيمان والوجودية، وهوس وأد الأرواح وتعذيبها وسجنها، وسحل الجسد.

فبيئة العرض السينمائي عندنا مختلفة تماماً، ولا صلة لها بالواقع وتعددية الثقافات والعلوم، لطالما الموضوع عن الدين والجنس والفلسفة، فالعمل السينمائي الكامل بنصه ومشاهده محظور من حيث المبدأ، ويتكثف الحظر إذا الصوت العالي للجماعات الدينية المتشددة زاد وأثر في القرار الحكومي!

لا نزعم الفهم والخبرة في العمل السينمائي وتقييمه، لكن نعرف أن السيناريو، والفكرة، والموضوع، والصورة عمل متكامل لا يمكن تجزئته ولا اجتزاء بعضه، والسماح بالأخر بانتقائية الرقيب والوصي على الذوق العام، وما يسمونه "الآداب العامة"!

مقطع عاطفي ممكن أن يصاحبه موسيقى رومانسية، وخيال مشوق، وممكن أن يصاحبه عناق، فالنص الأصلي للعمل السينمائي، والفني، تضمن ذلك، ولا بد من احترام رأي المخرج، وكاتب النص والسيناريو، لكن مقص الرقيب لا يقدر أصل العمل، وأركانه، وأهدافه حتى لو العمل مبنياً على قصة حقيقية، وقيمة ثقافية!

المكتبات العامة - هكذا يطلق عليها- لها شبابيك وأبواب، ولها ميزانيات ومواقع ذات مساحات مميزة، لكنها مهملة من الممول الحكومي، والجهة الإشرافية التي تهتم بالميزانية والمساحة، والشكل وإطلاق المسميات، وتهمل نشر الثقافة، وغرس القراءة والمعرفة العامة في المجتمع!

الثقافة السينمائية لا تزال تحظي بالرواج، والانتشار والإنتاج والتمويل، عالمياً وخليجياً، لأنها ذات قيمة ثقافية وفنية، ولها مشاهدون ومحبون يحملون شغف المعرفة، في حين القرار الحكومي الكويتي يفزع من جرأة العرض، وتحمّل مسؤولية نشر الثقافات الأخرى في المجتمع، من دون اجتزاء، أو حظر، أو وصاية على المجتمع والذوق العام!

في الكويت لدينا تيار أصولي، ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة والواقع، ولدينا تجار سياسة من منظور "الإخوان المسلمين" الذين لم نسمع لهم صوتا منذ حل مجلس الأمة، لكن صوت هذه الجماعات الدينية، المتشددة والمسيّسة، لا يزال يصوب الهدف نحو السعودية الشقيقة و"موسم الرياض"، وما يحتضنه من رقص وترفيه، وليس كفرا وعهرا اجتماعيا، وتجاوز على الشريعة السمحة.

وزارة الإعلام تضع جلّ الاهتمام في الشكليات وصرامة الرقابة والوصاية على المجتمع، وتتنازل عن رصد وتحليل الغمز واللمز، والنقد المباشر في منصات التواصل الاجتماعي ضد "موسم الرياض" الفني، أي ضد الجار الستراتيجي السعودي!

لا ندعو إلى الحجر على الرأي والرأي الأخر، والرأي الديني، لكن ندعو إلى دعم تنوع الثقافات من خلال عروض، سينمائية وموسيقية وفنية، من دون مقص رقيب، ولا حجر على الذوق العام، ولا استهداف الإرادة الاجتماعية، ومواسم فنية رائعة كـ"موسم الرياض" الرائع.

التاريخ لا يكرر نفسه، لكن تاريخ الاستنارة في الكويت له جذور تستحق الرعاية، والقرار من أجل "الثقافة في الكويت".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق