الوفد.. أزمات وحلول

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

باتت الجمعية العمومية «قميص عثمان» فى عهد كل رؤساء الوفد

أتوجه إلى الدكتور عبدالسند يمامة باعتباره الرئيس الشرعى المنتخب أن يفتح صدره وقلبه وعقله لكل أبناء الوفد

أناشد رئيس الوفد تأجيل ملف تغييرات الجمعية العمومية إلى ما بعد الاستحقاقات الانتخابية.

 

منذ فترة ولأسباب صحية أتابع من بعيد تداعيات الأحداث المختلفة فى الوفد، وقد منحنى الوقت الفرصة لإعادة مراجعة أوراقى القديمة وعشرات من الوثائق الوفدية، فأجدها مازالت صالحة للتعبير عن خضم الأزمة الحالية، كما كانت معبرة فى وقتها عن أزمات مماثلة، وكأننا ندور فى حلقة مفرغة لا تنتهى، فقط تتغير الأسماء والمواقف وتبقى طبيعة الصراعات كما هى ربما تزداد حدة وانفلاتا.

يدور العالم من حولنا فى الداخل والخارج محملا بتطورات متسارعة متلاحقة على كافة الأصعدة، بينما نبقى نحن فى الوفد مثل أسرة البوربون الذين لا ينسون شيئا ولا يتعلمون شيئا، نفقد احترامنا لبعضنا البعض فيفقد الجميع احترامه لنا.

فى داخلى يراودنى سؤال بإلحاح بعد رحلة العمر الطويلة فى أروقة الوفد، هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ فى الإجابة تبدو المسافة والمساحة كبيرة بين الوفد فى بولس حنا، والوفد فى كتب التاريخ، بين ساحات نضال الأجداد من أجل حرية الوطن، ومساجلات الأحفاد فى السب والقذف ولغة الشوارع وحملات التجريح وهتك الأعراض والتشهير عبر «واتس اب» و«فيس بوك»، فتاهت منا الخطى وغابت عنا معالم الطريق، وفقدنا البوصلة.

الحقيقة ربما لم يكن الأمر يستحق كل هذا العناء، ولكنها تبدو لدى الكثير من جيلى حالة من الشجن والحنين تربطنا بالحبل السرى للوفد، الذى يوجد فى قلوبنا وعقولنا وأحلامنا، بينما يغيب فيها عن واقعنا وعالمنا المعاش.

الأزمة الحالية ليست جديدة ولا بدعة مستحدثة، فقرار الدكتور عبدالسند يمامة بفصل الدكتور السيد البدوى رئيس الحزب السابق على خلفية تصريحاته التليفزيونية مع الإعلامى احمد موسى، لا يشكل خروجا عن مسارات بذات السياق ممتدة داخل الوفد منذ سنوات عديدة، طالت جميع الأطراف بلا استثناء مع اختلاف الأسماء والوقائع، والحقيقة وأنا اعلم مدى حنكة وقدرات الدكتور السيد البدوى، إلا أنه قد جانبه الصواب كثيرا فى تصريحاته المتعلقة بالوفد، بغض النظر عن طبيعة الخلاف مع رئيس الوفد الدكتور عبدالسند يمامة.

ويعيدنى المشهد بالذاكرة إلى 13 مايو 2015، حينما التقى الرئيس السيسى فى أزمة مشابهة، مع كلاً من الدكتور البدوى رئيس حزب الوفد، والمستشار بهـاء أبو شُقة، سكرتير عام الحزب، والمفصولين من الحزب قيادات جبهة الإصلاح فؤاد بدراوى، وعصام شيحة، على ضوء الخلافات السياسية التى عصفت بالحزب خلال تلك الفترة.

وفى أعقاب اللقاء صرح السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمى باِسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس دعا إلى اِحتواء الخلاف الداخلى فى حزب الوفد، حرصاً عليه كقلعة من قلاع الحياة السياسية المصرية، وحفاظاً على تاريخه باِعتباره أميناً على تراث الحركة الوطنية. 

والحقيقة أن هذا اللقاء والجهد الذى بذله الرئيس لمعالجة أزمة الوفد، لم يقابله جهد مماثل من قيادات الوفد وأعضاء الهيئة العليا فى ذلك الوقت، ولم يستجيبوا حتى لمبادرة الرئيس، وأصروا على استمرار فصل ثمانية من أعضاء الهيئة العليا دون تحقيق.

وهكذا لقرابة عقدين ونحن نعيش وفد الفرص الضائعة، بسبب عجز الإرادة الوفدية ممثلة فى هيئات الحزب المختلفة خلال كل هذه السنوات عن بناء توافق عام يعلى المصلحة العامة للحزب، فوق مصالح وصراعات قياداته، وهو الأمر الذى يحتاج الى الوقوف أمامه طويلا، والاعتراف بمسئولية الجميع عما آل إليه الحال، فما بنى على باطل فهو باطل، والبذور السامة لا تنتج أشجارا، وما نحصده اليوم هو ما زرعناه بالأمس.

وبالتأكيد فإن أحداث الوفد الراهنة شديدة الارتباط بأزمة الجمعية العمومية من ناحية، ورغبة البعض فى الترشح لانتخابات رئاسة الوفد من ناحية أخرى، وموضوع الترشح للاستحقاقات النيابية القادمة على القائمة من ناحية ثالثة، وهى أزمات باتت لصيقة بعهد كل رئيس للوفد.

والواقع أن الجمعية العمومية للوفد ليست كيانا مقدسا لا يتغير ولا يتطور، فوفقا لطبيعة مجريات الواقع فهناك من الأعضاء من توفى لرحمه الله، وهناك من استقال، أو من انضم لأحزاب أخرى، أو من كان غير فعال، لكن تبقى الإشكالية الحقيقية فى الآلية التى ينبغى التوافق عليها فى إطار معايير موضوعية لإعادة تشكيل اللجان، سواء بالانتخاب أو التوافق وفقا للائحة، وهى مسائل يجب ان تتم بشفافية وعلانية وبمشاركة جميع أعضاء هذه اللجان.

ومن هنا يأتى هاجس الحفاظ على الهوية الوفدية المتمثلة فى ثوابت الحركة الوطنية المصرية، وهى الحرية والاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، هذا هو المعيار الموضوعى لمفهوم الهوية الوفدية، وهى ليست صكوك تمنح لمن نحب ونمنعها عمن نكره، ولا يعنى الحفاظ عليها الانكفاء على الذات والانغلاق بعيدا عن الاخرين.

 وسؤال الهوية أو كما يسميه البعض سؤال القلق والاضطراب يعكس حالة التكلس الفكرى والتنظيمى فى الحزب على مدار عقود، فى ظل إصرار البعض على جمع العديد من المناصب معا فى وقت واحد، من عضوية الهيئة العليا، لعضوية المجالس النيابية لرئاسة اللجان العامة، أو اللجان النوعية، واحتكار هذه الأماكن القيادية لسنوات عديدة، وعدم إتاحة الفرصة لوجود وجوه جديدة حتى على مستويات التنظيم الإقليمى، وهى أزمة أصابت معظم الأحزاب المصرية حتى أطلق على هؤلاء المحتكرين لقب حراس المقر، أو الأوصياء، ولكنهم فى الحقيقة فى الوفد هم ليبراليون بلا ليبرالية.

وهكذا باتت الجمعية العمومية قميص عثمان فى عهد كل رؤساء الوفد، وهو ما يقتضى إيجاد حل جذرى يتمثل فى الفصل بين عضوية الجمعية العمومية وفقا لمعيار ثابت موضوعى، مثل مرور عشر سنوات على العضوية بالحزب، بينما تفتح عضوية اللجان المركزية واللجان العامة ولجان الشباب والمرأة لمن مضت على عضويته عام على الأقل. وأن يكون الرضاء والقبول والتوافق أسس إعادة بناء التنظيم الوفدي.

وهذه الإشكالية لا يتحملها الدكتور عبدالسند رئيس الوفد لوحده، فهو واقع فيها بين مطرقة المكتب التنفيذى والهيئة العليا، وسندان صراعات رؤساء اللجان العامة مع اللجان المركزية، ورغبة الجميع فى أقصاء الجميع.

الأزمة الحقيقية انه بينما يخوض الوفد صراعاته الداخلية التى تعمق استمرار النظرة السلبية لدى المواطن العادى عن الحزب وقياداته، منشغلا عن الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة، تشهد الساحة السياسية ميلاد أحزاب جديدة ستلعب دورا مهما فى المرحلة المقبلة، وهو ما سينعكس بالسلب على حجم مشاركة الوفد وتمثيله.

ومن هنا أتوجه الى الدكتور عبدالسند يمامة رئيس الحزب باعتباره الرئيس الشرعى المنتخب، والذى سيتحمل مسئولية نتائج الاختيارات والانتخابات، ويدفع فاتورة الصراعات الداخلية، وبما يفرضه عليه منصبه من مسئوليات والتزامات، ان يفتح صدره وقلبه وعقله لكل أبناء الوفد، وان يمد يده للجميع بلا استثناء، من خلال حوار وفدى واسع مع الجميع، وخصوصا مع أعضاء اللجان المركزية، يقوده بنفسه فى شفافية ووضوح، للم الشمل وإيجاد نقاط للعمل المشترك فى المرحلة القادمة بين كافة مؤسسات الوفد، ومواجهة حالة الإحباط المتزايدة بين أعضائه بسبب هذه الصراعات المسيئة للوفد بين الجماهير.

وأتطلع إلى قيامه تأجيل ملف تغييرات الجمعية العمومية إلى ما بعد الاستحقاقات الانتخابية، والعمل على حشد كافة الطاقات فى معركة إعادة الوفد الى الشارع فى فرص قد تكون الأخيرة أمام الرأى العام المصرى 

وأتصور كما قلت كثيرا سابقا أن الفرصة لاتزال متاحة لتجاوز كل ما مضى شريطة أن تخلص النوايا وان نتجاوز جميعا ما هو شخصى الى ما هو موضوعى، ليعود الوفد أداة لخدمة أمته ووطنه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق