في الرابع عشر من أغسطس 2013، كانت مصر على موعد مع لحظة فارقة في تاريخها الحديث، حيث فضّت قوات الأمن اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المسلحين، ولم تمر سوى أوقات قليلة حتى بدأت جماعة الإخوان الإرهابية في تنفيذ مخططها الدموي لاستهداف الدولة ومؤسساتها، محاولةً نشر الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار، وهذا المخطط اتسم بالشمولية، حيث شمل عمليات نوعية ضد الجيش والشرطة، بالإضافة إلى استهداف المنشآت العامة والمدنيين، في حملة منظمة لضرب استقرار مصر.
مرحلة ما بعد الفض.. البداية الدامية
بدأت العمليات الإرهابية عقب فض الاعتصام مباشرة، ففي الرابع عشر من أغسطس 2013، أقدمت الجماعة على حرق منشآت حكومية حيوية، منها مبنى كلية الهندسة وحديقة الأورمان، ولم يكن استهداف المنشآت فقط هو الهدف، بل امتد إلى أقسام الشرطة، حيث شهد قسم شرطة كرداسة مذبحة مروعة راح ضحيتها مأمور القسم ونائبه و12 ضابطًا وفرد شرطة، وقام الإرهابيون بالتمثيل بجثث الشهداء.
كما عمدت الجماعة إلى استهداف الكنائس في محاولة لإثارة الفتنة الطائفية، ففي نفس اليوم، تم إحراق ما يزيد على 70 كنيسة ومنشأة قبطية، منها كنيسة السيدة العذراء في الوراق، وكانت هذه الأعمال تمهيدًا لما هو أسوأ في الشهور والسنوات اللاحقة.
سيناء ساحة الحرب المفتوحة
وانتقلت خطتهم بعد ذلك إلى أرض الفيروز، حيث أصبحت سيناء بعد الفض مركزًا للعمليات الإرهابية الكبرى، ففي التاسع عشر من أغسطس 2013، أعدم الإرهابيون 25 جنديًا من قوات الأمن المركزي في حادث مروع قرب مدينة رفح، وفي يوليو 2013، تم استهداف كمين الميدان في الشيخ زويد، وأسفر الهجوم عن مقتل عدد من الجنود.
واستمرت العمليات الدامية في سيناء على مدار السنوات التالية، ففي نوفمبر 2017، استهدف الإرهابيون مسجد الروضة في بئر العبد، مما أسفر عن استشهاد 305 مصلين، بينهم 27 طفلًا، في واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية في تاريخ مصر.
أما في يوليو 2017، شهدت مصر واحدة من أكبر العمليات الإرهابية وأكثرها دمويًا، وهي حادث كمين البرث في جنوب رفح، حيث هاجم الإرهابيون الكمين باستخدام سيارات مفخخة وقذائف آر بي جي، مما أدى إلى استشهاد 26 فردًا من أبطال القوات المسلحة، بينهم العقيد أحمد المنسي.
العمليات النوعية ضد مؤسسات الدولة
ولم تقتصر عمليات جماعة الإخوان الإرهابية على استهداف سيناء، بل امتدت لتشمل باقي المحافظات المصرية، ففي ديسمبر 2013، نفذت الجماعة تفجيرًا هائلًا استهدف مديرية أمن الدقهلية، وأسفر عن استشهاد 16 شخصًا وإصابة أكثر من 150 آخرين، وفي يناير 2014، تعرضت مديرية أمن القاهرة لتفجير بسيارة مفخخة، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة العشرات.
كما استهدفت الجماعة البنية التحتية للدولة بشكل مباشر، إذ تم تفجير 215 برج ضغط عالٍ و510 محولات كهرباء بين عامي 2014 و2015، مما تسبب في خسائر مادية تجاوزت ملياري جنيه، إلى جانب تعطل العديد من الأنشطة الإنتاجية والصناعية.
استهداف الكنائس
وكان استهداف الكنائس والمناطق ذات الرمزية الدينية جزءً من خطة الجماعة لضرب الوحدة الوطنية، ففي ديسمبر 2016، استهدفت الجماعة الكنيسة البطرسية بالعباسية، ما أسفر عن استشهاد 29 شخصًا وإصابة 31 آخرين، وفي أبريل 2017، وقعت تفجيرات متزامنة استهدفت كنيستين في طنطا والإسكندرية أثناء احتفالات أحد السعف، وأسفرت عن وفاة 46 شخصًا وإصابة العشرات.
كما استهدفت الجماعة في يوليو 2013 كنيسة مارجرجس في سوهاج، وقامت بإشعال النيران فيها، إلى جانب إحراق منشآت قبطية في المنيا وأسيوط والفيوم.
ظهور الأذرع الإرهابية
ومنذ فض الاعتصام، ظهرت أذرع إرهابية تابعة لجماعة الإخوان، منها تنظيم "حسم" و"لواء الثورة"، اللذان نفذا سلسلة من العمليات النوعية، ففي أكتوبر 2016، حاول تنظيم حسم اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز بسيارة مفخخة، كما استهدف التنظيم مركز تدريب الشرطة بطنطا في أبريل 2017، مما أسفر عن استشهاد ضابط وإصابة 13 آخرين.
وفي يوليو 2017، نفذ التنظيم تفجيرًا استهدف سيارة أمنية بمنطقة المعادي، ما أدى إلى مقتل ضابط شرطة وإصابة 3 مجندين.
تضحيات الجيش والشرطة
ورغم شراسة الهجمات، فإن القوات المسلحة والشرطة نجحت في التصدي لهذه العمليات وإحباط العديد منها قبل وقوعها، ففي مايو 2022، أحبطت القوات هجومًا إرهابيًا على نقطة مياه غرب سيناء، حيث تصدت للعناصر الإرهابية وقتلتهم، وفي يوليو 2020، أُحبط هجوم إرهابي على إحدى النقاط الأمنية في بئر العبد، وأسفرت العملية عن مقتل 18 إرهابيًا.
وكانت هذه النجاحات نتيجة استراتيجية استباقية اعتمدت على جمع المعلومات الاستخباراتية الدقيقة وملاحقة العناصر الإرهابية في أوكارها.
ضرب الروح المعنوية للشعب
ولم تكن العمليات الإرهابية تهدف فقط إلى تحقيق خسائر مادية، بل كانت تسعى لكسر الروح المعنوية للشعب المصري، إلا أن هذا المخطط باء بالفشل، حيث أثبت المصريون قدرتهم على الصمود والتلاحم مع مؤسساتهم.
وكان ذلك واضحًا في حادث "مسجد الروضة"، حيث خرج المصريون متحدين الإرهاب ومساندين الدولة في حربها ضد الجماعات التكفيرية.
مصر اليوم نموذج في مكافحة الإرهاب
وبفضل الجهود الأمنية المكثفة وتضحيات الأبطال، شهدت مصر انخفاضًا ملحوظًا في وتيرة العمليات الإرهابية منذ عام 2019، وأصبح الإرهاب، الذي كان يهدد استقرار البلاد، نموذجًا للانتصار المصري على قوى الظلام.
واليوم، تواصل الدولة المصرية العمل على تعزيز الأمن والاستقرار، مستفيدة من دروس الماضي ومُصرة على المضي قدمًا في مسيرة البناء والتنمية، لتصبح قصة نجاحها في مواجهة الإرهاب مصدر إلهام للعالم أجمع.
0 تعليق