رأى خبراء وسياسيون سودانيون ومصريون أن سيطرة الجيش السودانى على مدينة «ود مدنى»، عاصمة ولاية الجزيرة، تشكل علامة فارقة فى مسار الحرب الطويلة والمستنزفة ضد ميليشيا الدعم السريع.
وأوضح الخبراء، لـ«الدستور»، أن هذا التقدم الحاسم يأتى بعد سلسلة من الانتهاكات العنيفة التى ارتكبتها الميليشيات بحق المدنيين فى ولاية الجزيرة، كما تعد استعادة «ود مدنى»، إحدى أكبر المدن السودانية، ضربة قاسية لها؛ لما تحمله المدينة من أهمية استراتيجية واقتصادية تربط بين الخرطوم والولايات الشرقية والجنوبية.
وقال المفكر والصحفى السودانى، وائل محجوب، إن انتصارات القوات المسلحة السودانية فى الفترة الأخيرة تمثل تطورًا مهمًا فى مسار الصراع الدائر فى البلاد، حيث استطاع الجيش تحرير مدينة «ود مدنى» بشكل كامل، ما شكل نقطة تحول استراتيجيّة كبيرة.
وأضاف أن هذا الانتصار يكتسب أهمية خاصة، حيث يُسهم فى تأمين مناطق حيوية، مثل ولاية النيل الأبيض والنيل الأزرق، اللتان تُعتبران مفتاحين رئيسيين فى خارطة السودان الجغرافية. ومن خلال السيطرة على ولاية الجزيرة، يتم تأمين طرق الوصول إلى هذه المناطق، وهو ما يعزز التقدم العسكرى ويمهّد الطريق نحو المزيد من النجاحات فى المرحلة المقبلة.
وأشار إلى أن الانتصار فى ولاية الجزيرة لم يقتصر فقط على تحرير الأرض، بل كان أيضًا نقطة محورية فى تغيير موازين القوة العسكرية والسياسية على الأرض، حيث تعرضت قوات الدعم السريع لخسائر كبيرة فى مناطق مهمة، ما جعل استعادة السيطرة على تلك المناطق هدفًا أساسيًا فى سياق العمليات العسكرية، مردفًا: «تحرير ود مدنى يمثل نصف الطريق نحو استرداد العاصمة الخرطوم».
وبين أن تحرير الخرطوم سيكون الخطوة التالية فى العمليات العسكرية، وسيتم الزحف عليها من مختلف الاتجاهات، مضيفًا أن استعادة الخرطوم تعنى أيضًا إعادة الأمن العام وعودة الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، التى تأثرت بشدة جراء القتال المستمر، مواصلًا: «ستعود الحياة الطبيعية إلى الخرطوم بعد استعادتها، ما يسهم فى استقرار الوضع المعيشى للسكان ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من البناء والإعمار».
وفيما يتعلق بتداعيات تحرير ولاية الجزيرة، أوضح أن عملية تطهير المدينة من قوات «الدعم السريع» ستستغرق بعض الوقت، نظرًا لوجود عناصر عسكرية منتشرة فى المنطقة، لكنه أكد أن النتائج الإنسانية والاقتصادية لهذا التحرير ستكون مهمة جدًا على المدى القريب.
بدوره، قال الدكتور أمجد فريد، المدير التنفيذى لمركز فكرة للدراسات والتنمية، إن استعادة مدينة «ود مدنى» وصمود الفاشر لأكثر من سنة، بالإضافة إلى التقدم المستمر للجيش السودانى فى العديد من المناطق فى البلاد، هى مؤشرات واضحة على قرب حسم المعركة العسكرية.
وأضاف أن هذه التطورات العسكرية تمثل خطوة مهمة نحو استعادة الأمن والسيطرة على المناطق التى كانت تحت تهديد الميليشيات، ومع ذلك، لا يمكننا القول إن الحرب قد انتهت بمجرد تحقيق الانتصارات العسكرية، فالمرحلة المقبلة تتطلب منا العمل على إعادة الحياة إلى طبيعتها فى السودان.
وأشار إلى أهمية معالجة القضايا الإنسانية الناجمة عن الحرب، بما فى ذلك النزوح واللجوء والتشرد، وهى من القضايا الأكثر إلحاحًا فى المرحلة الحالية، قائلًا: «لقد تسببت الحرب فى تهجير أعداد كبيرة من المواطنين، وهناك حاجة ملحة لتوفير الحماية والمساعدة لهم، ومن المهم أن يبدأ العمل على إعادة تأهيل هؤلاء النازحين وتحقيق العودة الآمنة إلى مناطقهم».
فيما قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، والخبير فى الشئون الإفريقية، إن القوات المسلحة السودانية حققت، فى الفترة الأخيرة، العديد من الانتصارات المهمة، وأبرز هذه الانتصارات هو تحرير مدينة «ود مدنى» بشكل كامل. وأضاف أن هناك أنباء عن استمرار العمليات العسكرية مع التوجه نحو العاصمة الخرطوم، وهو ما يعزز التفاؤل بتحقيق المزيد من النجاحات، متابعًا: «من الواضح أن هناك دعمًا شعبيًا كبيرًا للقوات المسلحة فى مواجهة قوات الدعم السريع، التى أصبحت مدانة دوليًا وإقليميًا بسبب ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذا الموقف الضعيف داخليًا ودوليًا قد يدفع الدول التى دعمت هذه القوات إلى إعادة النظر فى مواقفها».
وأشار إلى أن الدعم الداخلى للقوات المسلحة السودانية يتزايد بشكل ملحوظ، كما يحظى الجيش أيضًا بدعم إقليمى ودولى من بعض الدول المجاورة والدول الكبرى، قائلًا إن هذا التحول فى موازين القوى يشير إلى أنه قد نشهد فى المستقبل القريب تحرير المزيد من الأراضى السودانية من قبضة «الدعم السريع».
0 تعليق