مؤمن الجندي يكتب: الحقونا

جريدة الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ليلة هادئة، تحت سماء يملؤها الدعاء والأمل، وقف رجل بين جموع الحجيج في الحرم المكي، حيث تعلو الأصوات بالتكبير والتهليل، وحيث تلتقي القلوب على الطهارة والخشوع.. لكنه، وسط تلك الروحانيات، رفع يديه إلى السماء ليسأل الله.. لا بالرزق ولا بالعفو، بل بالدعاء على لاعب كرة قدم في الفريق المنافس لناديه!

كانت لحظة لا تصدق، أشبه بمشهد سريالي ينتمي إلى رواية خيالية لا إلى واقع نعيشه! هنا، في أقدس بقاع الأرض، حيث تتجرد الأرواح من أحقادها، وُلدت كلمات حارقة تعكس ثقافة مشوهة تجاوزت حدود الملاعب لتتغلغل في القيم والأخلاق. 

توقفت أمام هذا المشهد مذهولًا: ألهذا الحد بلغ الهوس؟ ألهذا الحد استبد التعصب بالعقول حتى استباح قدسية المكان وأفسد قدسية الروح؟ دعوات لا تنم عن روح رياضية أو حتى إنسانية! وبدأت أسأل نفسي متى وصلنا إلى هذه النقطة؟ كيف يمكن أن تتحول الحماسة الرياضية إلى نيران تحرق الأخلاق قبل أن تصيب الآخرين؟

الرياضة التي كنا نراها مساحة للتنافس الشريف وروح الجماعة، تحولت في بعض الأوساط إلى حرب خفية، وقودها المشجعون، وسلاحها السخرية، وميادينها المدرجات والشاشات.. إنه عالم يزداد ظلامًا، حيث تنقلب الموازين، وتتوه المعاني، وتضيع المبادئ في زحام الهتافات.

وعلى الجانب الآخر، يتحول بعض المشجعين إلى قنابل موقوتة، يترقبون أقل شرارة لإشعال فتنة، معتقدين أن قصف الجبهات والسخرية من المنافسين هي السلاح الأمثل لإظهار الانتماء لناديهم! في ظل غياب الوعي، يصبح الهتاف في المدرجات أقرب إلى معركة، والشاشة الصغيرة منصة لتصفية الحسابات.

هل من حل؟

من وجهة نظري، الإعلام الرياضي يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا؛ فمن جهة، يُسلط الضوء على الجوانب الإيجابية للرياضة، لكنه من جهة أخرى، قد يسهم في تأجيج التعصب من خلال التحليلات المتحيزة أو إثارة القضايا الجدلية بلا وعي.

وأرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة لتعزيز السخرية من المنافسين ونشر الكراهية في شكل تعليقات ومقاطع فيديو تسخر بلا حدود، مما يُغذي العداء بين الجماهير، في ظل غياب القوانين الرادعة وضعف الرقابة والعقوبات على السلوكيات المسيئة في الملاعب أو خارجها، مما يمنح الفرصة لاستمرار هذه الممارسات.

على وزارة الرياضة وكافة الأطراف المعنية التدخل فورًا، ليس فقط لمعالجة الظاهرة، بل لاقتلاع جذورها، يجب وضع خطة شاملة تتضمن من وجهة نظري:

1. إطلاق حملات توعية مواكبة: نشر ثقافة الروح الرياضية عبر وسائل الإعلام والمدارس والجامعات.

2. عقوبات صارمة: فرض غرامات أو عقوبات رياضية على الأندية التي تسمح لجماهيرها أو لاعبيها بتجاوز حدود الأخلاق.

3. برامج تأهيلية للاعبين: تدريب اللاعبين على التعامل مع الضغوط والجماهير بأسلوب لائق، وتحفيزهم ليكونوا قدوة للجماهير.

4. تنظيم دورات للمشجعين: تخصيص ورش عمل تُعلم الجماهير أهمية التشجيع الإيجابي وأثره على فريقهم ومجتمعهم.

سأقولها وأتمنى أن نتحرك، لا بد أن يحاول كل مسؤول في موقعه العمل مباشرة على الأزمة  قبل أن تقضي علينا جميعًا ولا ننس مجزرة بورسعيد! فالرياضة هي مرآة للمجتمع، وإذا استمر التعصب في الهيمنة، فإن الخطر لن يقتصر على الملاعب فقط، بل سيؤثر على النسيج الاجتماعي ككل.. لذلك، لا بد من وقفة جادة وشجاعة لإعادة ضبط البوصلة، حتى لا نستيقظ يومًا على كارثة مميتة سببها مباراة كرة قدم.

في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا هل يمكننا أن نعيد للرياضة وجهها النبيل، أم أننا سنظل رهائن للتعصب الذي يهدد بتدمير كل ما هو جميل وسط مسؤولين ودن من طين والثانية من عجين؟ الحقونا!

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق