يحيي حقي، واحد من أبرز رموز الأدب المصري في القرن العشرين، ويعد من أوائل الكتاب الذين تناولوا علاقة الشرق بالغرب روائيا، في رائعته “قنديل أم هاشم”.
يحيي حقي ــ كما وصفه الإذاعي الكبير طاهر أبو زيد ــ الرجل الذي يدخل القلب بسرعة ويسر، ويحتل من نفس الإنسان مكان الحب والتقدير والإعجاب والإمكانية الكبيرة للتأثر به، وهو بمشيته الوئيدة وعصاه التقليدية، ونظارته ووجهه الأحمر وجسمه النحيل لا يكف أينما سار عن التأمل والتفكير والنظر في أعماق النفس البشرية، ويخرج ذلك كله في قصص رائعة ودراسات تحليلية.
26 عاما في السلك الدبلوماسي
وفي برنامجه “السهرة المفتوحة”، حمل “أبوزيد” ميكرفون الراديو وذهب في زيارة لمنزل حقي، واستهل اللقاء بشكره على هديته التي أهداها إياه، ألا وهي كتابه “أنشودة البساطة”، قبل أن يستطرد في وصف الكاتب، “أقول إنك أنت نفسك أنشودة بساطة، تتناول كأديب جهير وشامخ في العالم العربي، تتناول أعقد المسائل وتشرح النفسية المصرية والعربية، ونفسية الإنسان حيث كان تشريح دقيق جدا وبمنتهي البساطة، بابتسامتك اللطيفة وطلتك المشرقة”.
ومن ثم ينتقل “أبوزيد” للحديث عن الفترة التي عمل خلالها يحيي حقي في السلك الدبلوماسي، وهو ما يشير إليه: “دخلت السلك الدبلوماسي سنة 1929 كان عمري وقتها 24 سنة، ودخلت من أول درجات السلم كسكرتير قنصلية تسمى ”أمين المحفوظات"، ولحسن الحظ عينت في جدة والتي لا يجري وراءها أولاد الأغنياء فتركت لي وحمدت الله على ذلك فقد أتيح لي أن أحج وأزور قبر الرسول، وأتيح لي أن أتفرغ للقراءة فقرأت أشياء كثيرة جدا في جدة كان أهمها كتاب الجبرتي، فقد أدخلني وزجني وغمسني وعجنني في المجتمع المصري وفي روحه، وأحببت هذا الرجل حبا شديدا، وأحببت أباه الشيخ حسن أكثر، والذي كان يفتح بيته لتلاميذه، يستقبلهم كأبناءه ويعرض عليهم كتبه. في ذك الوقت كنت أوقع كتاباتي باسم “عبد الرحمن حسن”، إعزازا مني لهذه الشخصية.
وحول ما راج عن توقفه عن الكتابة خلال عمله بالسلك الدبلوماسي لفت “حقي” إلى: “علمت دائما بالأدب كهاو غير محترف، ولم أشتغل في صنف كتابة المقالات الصحفية ولا ألاحق الصحف مقالات، وقادني الله لكتابة القصص القصيرة، ولم أكن أزيد عن قصتين أو ثلاثة في السنة علي الأكثر، ولكن ما أن أفرغ من كتابة القصة حتي أشعر بشئ من التعطل، وأظل مشتاقا إلي فكرة تأتيني حتي أكتبها وإذا جاءتني ولو بعد حين انشغلت بها إلي أن أفرغ منها وهكذا”
طوال اللقاء، ظل يحيي حقي يتحدث باللغة الفصحي، وهو ما يلفت نظر أبو زيد ويستفهم عنه، فيوضح “حقي”: “في أسلوبي أحيانا أستعمل كلمات عامية كثيرة، ولكن أنا غير منتبه أبدا متي أنتقل من الفصحي للعامية أو العكس، ولا أحس أبدا بهذه التنقلات”.
دراسة اللغة الصحفية
وهنا تثار قضية إزدواجية الخطاب الأدبي الثقافي بين اللهجتين العامية والفصحي، وهو ما يراه حقي: “شغلتني هذه الفكرة منذ وقت طويل، وأقول، في وسط الانشغالات اليومية نحتاج من بين الحين والآخر أن نقف لنلقي نظرة شاملة علي الموقف، نحتاج لإجراء جرد ثم مقارنة، ولحسن الحظ اقرأ باستمرار ولذة كبيرة عمود ينشر في صحيفة الأهرام اسمه (منذ 75 سنة)، اقرأه لدراسة اللغة الصحفية كما كانت منذ 75 سنة، مثلا تجد كلمة مرسح بدلا من مسرح، ولم تكن قد ظهرت كلمات مثل ثقافة ومجتمع.. إلخ، لا شك قد حدث تقدم عظيم يثلج الصدر ويسعدني أن تكون اللغة الصحفية عندنا وصلت لمستوي متقدم، فهي لاتزال لغة فصحي ولكن طوعت لمطالب العصر الحديث، وتخلصت من كل آثار البلاغة القديمة الزخرفية، وأصبحت أري لو أحد يقرأ الجريدة مثلا لـ(بواب) أو أي شخص لا يعرف القراءة والكتابة يستطيع أن يفهم ما يقدم له بسهولة”.
واستدرك يحيي حقي: “ولكن التقدم الذي حدث للغة من حيث أنها أداة توصيل، حدث في مقابله تأخر شديد في الخط، خط اليد، أقصد كتابة اللغة العربية بخط اليد، التي صارت أسوأ من الماضي. فعندما دخلت المدرسة الإبتدائية كان درس الخط من الدروس المهمة جدا، نتعلم فيها خط الرقعة والنسخ والثلث والفارسي، وندرسهم دراسة حقيقية ونضرب إذا لم نكتب جيدا”.
وشدد “حقي” على: “أعتقد أن خط اليد سيتقهقر في جميع الشعوب، وجميع اللغات لانتشار الآلة الكاتبة، حتى أن هناك كثيرا من الناس الآن يكتبون جواباتهم بالآلة الكاتبة، ولم يعد أحد يكتب بيده، لكن اهتمامي بخط اللغة في الصحافة، فالخطوط التي جاءت من أوروبا سواء (الموني تيب) أو (الميني تيب)، خط ردئ جدا ومعقد وأحيانا كثيرة أتعب في فكر رموز كلمة ولا أعرف إن كانت ميم أو نون أو غيرها من الحروف، وأتوجس أن نهمل هذه المسألة، لأن التقدم الذي أحرزناه في اللغة نفقده في الخط. الخط في اللغة العربية لابد أن يشكل، وأن تعطي المطبعة الفرصة بوضع ضمة أو شدة وغيرها، هل تتصور أن الشعر المنشور غير مشكل ولا يمكن أن يقرأ، لا أقول أن يشكل كل حرف لكن ما هو ضروري تشكيله”.
0 تعليق