إضاءة في كتاب.. نوح والطوفان العظيم ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. علي محمد الصَّلابي

هذا الكتاب امتدادٌ لمشروعٍ علمي جديد يتعلق بالدراسة المستفيضة عن أولي العزم وقصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم. وهو جزء من موسوعة ﴿أولوا العزم من المرسلين﴾ التي أحلم بإتمامها، وأرجو من الله تعالى أن تكون لوجهه الكريم خالصة، ولعباده نافعة، فإن البشرية في أشد الحاجة لمعرفة سير الأنبياء والمرسلين من خلال كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وشرح تراجمهم وأخلاقهم وأصول دعوتهم من أحاديث الرسول ﷺ الصحيحة، وأقوال العلماء الراسخين بأسلوب عصري يلائم المرحلة التي تمرُّ بها الإنسانية الباحثة عن إجابات شافية لتساؤلها عن الله والكون والحياة، والجنة والنار، والقضاء والقدر، والرسالات والنبوات والحضارات الإنسانية القديمة، ومتى نشأت؟ وما مصيرها؟ وسنن الله في خلقه، وأصول الأخلاق، والقيم الروحية...إلخ، وإدارة الصراع بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر والكفر والإيمان...إلخ.

فترة ما قبل نوح
تحدثت فيه عن فترة ما قبل نوح عليه السلام، وبيَّنت أنه ليس بين آدم ونوح رسول، وأن الأصل في الإنسان التوحيد، وشرحت فيه الآيات التي أكدت هذا الأمر
وذكرت أقوال علماء الآثار والباحثين في الأديان في أصل التوحيد، وتطرقت إلى أول شرك وقع في بني آدم، واعتمدت على القرآن الكريم في المادة التاريخية، واعتبرته مصدراً لا يعلو عليه، ونسبة الحقيقة فيه مطلقة 100% غير قابلة للشك ولا الطعن؛ لأنه كتاب الله الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «، فقد احتوى على معلومات عظيمة متعلقة بسير الأنبياء والمرسلين وقصصهم، قال تعالى: ﴿وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود120].
في المبحث الثاني:
وتكلمت عن توحيد الله في رسالة نوح عليه السلام وقيامه بدعوة قومه إلى عبادة الله وتقواه وطاعته وإفراده بالعبادة، وأن الإسلام هو دين نوح عليه السلام والرسل جميعاً، وأن الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد.

جمل قرآنية عجيبة
وتناولت فيه بيان نوح لربه تجاه قومه وشكواه من معصيتهم له، ودعاؤه عليهم في سورة نوح حيث فسرت الآيات التي جاءت في سورة نوح بأسلوب سهل مع عمق وعلم واستفادة من علماء التفسير الكبار، وكانت هناك وقفات من خلال الآيات مع أساليبه في الدعوة في السر والعلن والليل والنهار والحرص على هدايتهم، وترغيبه لقومه وحثهم على الاستغفار، حتى ينالوا مغفرة الله، وتنهال عليهم الخيرات.
إن هذه الجمل القرآنية العجيبة تصور لك معنى الإرادة الإلهية وسلطانها الرهيب المنبسط على الكون كله، بل القابض عليه كله، تتصرف به كما تشاء في سمائه وأرضه، وبحاره وجباله وفي كل شيء، ليس في حسابها أي معنى لكبير وصغير أو لعظيم وحقير، ألا ترى كيف علقت الآية رجوع كل شيء إلى ما كان عليه بعد أن التقت مياه السماء والأرض على طوفان هائل مخيف على كلمة صغيرة «وقيل»؛ لتصور لك سهولة الأمر وأنه لا يحتاج إلا لهذا الأمر الإلهي الذي به قيام الدنيا وزوالها.
وقد وقفت مع سؤال نوح عليه السلام ربه في شأن ابنه وطلبه المغفرة والرحمة من عند الله متأملاً ومتدبراً ومسترشداً بأقوال علماء أهل التخصص من أئمة التفسير في قوله تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود:45-46-47].
وذكرت زوجة نوح الكافرة وماذا قال الله فيها، مستخرجاً الدروس والعبر والفوائد من الآيات الكريمة من قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم:10].

نهاية حضارة
إنَّ نوحاً عليه السلام جاء في نهاية الحضارة الإنسانية الأولى والتي بدأت من آدم عليه السلام، ثم انحرفت عن التوحيد وإفراد العبادة للخالق العظيم وتطورت الحياة الإنسانية على وجه الأرض في قضاياها المادية، وضعفت وأخطأت السبيل في قيمها الروحية ومعرفتها بخالقها العظيم، فأرسل الله عز وجل نوحاً عليه السلام إلى قومه فأقام عليهم الحجة، ومضت سنة الله في زوالهم واستئصالهم وآمن معه القليل الذين أنشأ بهم حضارة السلام والبركات بعد الطوفان العظيم.
وقد استجاب الله لنبيه فأغرق الكافرين الظالمين عن آخرهم.

المكر صفة بارزة
وقد كان المكر صفة بارزة في قوم نوح، واستخدم الملأ من قومه كافة وسائل وأساليب المكر لصد الناس عن دعوة التوحيد والاستجابة لعبادة الله، وآثروا الشبهات والاتهامات الباطلة ووضعوا العوائق والعراقيل أمام دعوته، لقد دبروا الحيل ونصبوا الحبائل ليمكروا بنوح عليه السلام فأبطلها الله وجعلها سبيلاً لهلاكهم، ومضت سنة الله في الماكرين.
وما حدث لقوم نوح، حيث بعث الله لهم رسولاً لهدايتهم فردوا دعوته كبراً وعناداً، وأعرضوا عنها جحوداً وطلبوا منه تعجيل العذاب وكذبوا وجحدوا وظلموا وبطروا وأترفوا...إلخ فوقع عليهم العقاب الإلهي بسبب ذنوبهم مع تقدير الله لهم وفق سنة « لكل أمة أجل « فعلم الله لا يتبدل وسنته لا تتحول وهي جارية وحاكمة وفق مشيئته وإرادته وعلمه وحكمته سبحانه وتعالى.

دروس وعبر
إنَّ القرآن الكريم في قصة نوح عليه السلام وجه الأنظار إلى الاعتبار بأحوالهم، وهي مليئة بالدروس والعبر والفوائد والسنن وقوانين الله في حركة الشعوب وزوال الحضارات وازدهارها.
هذه بعض الأسباب التي وصلنا إليها من خلال البحث والدراسة في معرفة عوامل هلاك الحضارة الإنسانية الأولى، واللافت للنظر أن مقومات حضارة جديدة بزغت من خلال محنة نوح عليه السلام وساهمت في انطلاقها بعد هبوط السفينة على الجودي، وقد بدأت باسم الله والحمد لله على النجاة من القوم الظالمين، والدعاء لله بأن ينزلهم منزلاً مباركاً والله خير المنزلين.
وكانت بذور تلك الحضارة متوفرة في سفينة نوح عليه السلام من الإنسان والحيوان والطيور والنباتات، مع القيم الروحية والمبادئ الأخلاقية، والتطورات الفكرية عن الله والحياة والكون والوجود والجنة والنار والرسالة والنبوة...إلخ من خلال وحي الله عز وجل لنوح عليه السلام.

افتراءات
وفي هذا الكتاب تم الكشف عن الافتراءات التي نسبها بعض علماء بني إسرائيل إلى نوح عليه السلام، وتحدثت عن مسألة: هل عم طوفان نوح الكرة الأرضية؟ وبيَّنت أقوال العلماء في هذه القضية التي أخذت حيزاً من التفكير الإنساني، ووضحت اهتمام علماء الآثار وتاريخ الأديان بالطوفان العظيم، وكشفت بعض الروايات ضعيفة الإسناد التي نسبت للرسول ﷺ، وتكلمت عن رأي العلماء في مصير الأطفال من قوم نوح عليه السلام.
المبحث السادس:
كان الحديث فيه عن ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية، وذكرت أقوال العلماء وأهل التفسير في قول الله تعالى: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 48- 49].
وقد قامت خصائص الحضارة الإنسانية الثانية على أساس الوحدانية المطلقة لله عز وجل،
ومن خصائصها أنها إنسانية، وأنها أخلاقية، وتؤمن بالعلم، وقامت على حرية الاعتقاد وحرية الاختيار العقلي والفطري والمنطقي والوجداني.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق