عندما نتحدث عن السماء

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صباح الخير أيها العالم، يا له من صباح يستحق التأمل. 

كم جثة استنشقتَ لتمنحنا هذه الطمأنينة؟ 

اعتدنا شكلَ الصباحات منذ آلاف السنين، ولكننا نرتبك- ما زلنا- أمام جثة.

يا للوقاحة؛ أتحدث كأننى امتداد للبشر! 

أقول- بلا ذرة تردد: اعتدنا، مفخمًا الـ«نا» 

كأننى أنصت لرنة صوتى داخل كهف عتيق

وأعقّبُ، بلا قلق: «آلاف السنين» تمامًا كصرَّاف حقير يُكوّم أوراق البنكنوت إلى جواره، 

ولا يملك منها إلا الوسخ الذى تخلفه على أطراف الأصابع، فى نهاية يوم مقيت.

مساء الخير أيها العالم، انتهى وقت الوظيفة، هل أجد لديك عروضًا جديدة؟ 

حدثنى عن آخر موضات الحروب المدنية، أو صرعات الأعاصير والزلازل والبراكين وحرائق الغابات، ماذا عن تشكيلتك الجديدة من خنق الأطفال وحرق أعضائهم؟ 

سمعت أنهم مدرجون على قوائم الطعام فى بعض الحانات السرية.

أصابع طفل مقرمشة مع كوب بيرة باردة، واختر الصوص المفضل لديك.

أفضّل أضلع خروف مشوية، مع القليل من صلصة البروفنسال، مذاق الكزبرة المحمرة لا يضاهيه شىء، وأخلاقى- كما لا يخفى عليك- لا تسمح بتخيل أن تقلية الكزبرة والثوم، مجردُ حيلة للتمويه على أصابع الرضيع، الأخلاق كما تحدث عنها كانط، الإنسانية يا عزيزى، لا تنس من فضلك.

تصبح على خير أيها العالم، أستعدُّ للنوم، استعرضْ لنا اختيارات السماء المتاحة.

سماء صافية مرصعة بالنجوم، يمكننا أن نمنح كل مجموعةٍ اسمًا يليق بثقافتك، بنات نعش مثلًا!

أوه لا، أفضل الأسماء اللاتينية فهى توحى بالفخامة.

سماء معتمة تبدو كثوب قطيفةٍ سوداء!

واو، أعجبتنى، لكنها مخيفة قليلًا! 

هل نضيف نجمةً يتيمة تتلألأ كدمعة فى عين أرملة؟

جذاب. لكن النجم مذكر! كما أن الأرامل لا يذرفن دموعًا هذه الأيام.

النجمة أنثى، ويمكننا أن نمنحها اسمًا يناسب ذائقتك ويعزز ذلك؛ الشعرى!

دعنا نسميها إيزه، أحب اسم إيزه، وإن شوّهه الرومان؛ أضافوا إليه لازمتهم العجيبة فصار إيزيس، ونحن نردد كالأغبياء. 

عندى كذلك سماء حمراء لا يغادرها الشفق.

أففف، لا أحب هذا الرحيل المعلق، إلا إذا... إلا إذا جعلته أخضر، الأحمر لا يناسب مزاجى، أنا برج الميزان. 

سماء صافية كوجه بحيرة، بنجومٍ متناثرة تلمع بثبات، مع إضافات مثيرة لشُهُبٍ تنطلق بين الحين والآخر كاسرة جمود الحالة.. ويمكن أن نجعلها ملونة. 

واو، سماءٌ ملونة! 

عفوًا، أعنى الشهب.

تصبح على خير أيها العالم، هدّنى التعب، أظن أننى لا أحتاج إلى عرض السماء، هذه الليلة، سوف أنام كصخرة.

يمكننى تعويضك فى الأحلام! 

لديك عروضٌ للأحلام كذلك؟ 

أنا صانع الأحلام، لا تنس.

مذهل، أعجبتنى هذه البسمةُ الماكرة على حافة فمك، أنت فخور بالأحلام كما يبدو! 

هى صنعتى الوحيدة، إن شئت الدقة.

تصبح على خير أيها العالم، أين تُخفى الجثثَ عندما نتحدث عن السماء؟

من كتاب «أيها الموت العظيم»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق