كتب ـ أحمد الجارالله:
الإجراءات الأميرية السامية المتعلقة بتعطيل بعض مواد الدستور لم تأت من فراغ، بل هي نتاج مراجعة دقيقة استمرت فترة من المراقبة عن كثب، لمجمل الوضع الذي كانت عليه البلاد طوال سنوات، والأزمات المعطلة لكل القطاعات، والساعية إلى المزيد من خنق الاقتصاد الوطني، والشأن العام وتبديد الجهود.
لهذا حين أتى العهد الجديد، كانت أولى المراحل منح الفرصة لمجلس الأمة أن يكون على قدر من المسؤولية الوطنية في مقاربة الأمور، كي تكون الكويت قادرة على مواجهة التحديات الدولية والإقليمية، إلا أنه للأسف، بدلاً من السير في الطريق الصحيح، ذهب النواب، ومنذ اللحظات الأولى، وقبل القسم، إلى التصعيد، وبلغة كانت توحي بذهاب البلاد إلى أزمات مصيرية، لهذا كان آخر العلاج، وهو الكي.
اليوم، باتت الطريق ممهدة للحكومة، وبوصفها المؤتمنة على التنفيذ والتشريع، أن تمارس دورها في الشأنين، خصوصاً ما يوحي باستقرار المنصب الوزاري، ورفع السيف البرلماني الذي كان مصلتا على الوزراء كي يمارسوا دورهم، في تحديث القوانين المتعلقة بوزارة كل منهم، لأنه من دون ذلك لن تقوم قائمة للكويت.
منذ العام 1962، وكما أسلفنا في مناسبة سابقة، هناك نحو 900 قانون، لم يطرأ عليها أي تغيير، فيما الغالبية منها قامت على قاعدة "شيّلني واشيّلك"، أو كان جوهرها التحاسد ومنع التطور وتقاسم الكعكة بين بعض الهوامير، ولو كان ذلك على حساب البلاد والناس.
هذا الأمر عطل كل النشاطات في الدولة، وجعلها تنكمش على نفسها، إذ منع تطوير الصناعات، أيا كانت، وعدم حركة رؤوس الأموال من الخارج الى الداخل، خصوصاً في ما يتعلق بجذب الاستثمارات، وأيضاً عدم حماية الأمن الغذائي، وهو الركيزة الأساسية لأي دولة كي تنعم بالحد الأدنى من الاعتماد على الذات، بل قوانين ساعدت على هروب الاستثمار إلى الخارج، فيما كان كل واحد منها ينقض الآخر، أو تتشابك مع بعضها بعضاً.
ولنا في المشاريع المتوسطة والصغيرة خير دليل، خصوصاً تلك التي وجدت ملاذاً آمناً لها في الدول المجاورة.
لذا مع تغير الوضع، واستقرار المنصب الوزاري، بات على الوزراء، كل من موقعه، أن ينظروا بالقوانين المتعلقة بمجال عمل وزاراتهم، والسعي جدياً الى التعلم من الدول الأخرى، أكانت مجاورة، أو تلك البعيدة، التي نهضت، من خلال قوانين متطورة تراعي معطيات العصر، وتناسب المجتمع في آن واحد، وتتحرر من العقبات التي كانت تعيق تطورها.
اليوم، المنافسة كبيرة في الإقليم بل في العالم، على تحديث الصناعات وتشجيع الابتكارات في شتى المجالات، ودعمها، وكذلك الاكتفاء الذاتي، لأن الأوضاع الدولية تحتم الخروج من التفكير داخل الصندوق إلى فضاءات أرحب، مع الأخذ بالاعتبار العامل الأساسي فيها، وهو الإفساح في المجال للإبداع كي يقدم أبناء الكويت كل ما عندهم.
كما من المهم إلغاء القوانين القائمة على الرعاية المطلقة من دون تقديم أي فائدة للبلاد فهذه المبالغ التي تُنفق في غير موضعها سببت عجزاً مالياً نعاني منه إلى اليوم، ولذا لابد من توظيفها في مجالات أكثر فائدة للبلاد، خصوصاً تلك المتعلقة بالإنفاق المالي على غير هدى.
كل هذا يتطلب ورشة وزارية، وليس العمل من أجل الظهور الإعلامي فقط، بل على كل واحد منهم أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه، ويعمل على خطين، الأول إصلاح الخراب الذي تركته المرحلة الماضية، والثاني تحديث التشريعات المتعلقة بوزارته.
لاشك أن هذه، في الدرجة الأولى، مهمة سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي عليه أن يصدر توجيهاته الحاسمة في هذا الشأن، كي يعمل مجلس الوزراء وفق الرؤية التي حددها صاحب السمو الأمير في جملة خطبه السامية، وتصريحاته وتوجيهاته للوزراء، ولقاءات سموه مع المعنيين.
فهناك الكثير من القوانين، خصوصاً المتعلقة بغسيل الأموال، ودعم الإرهاب، وكذلك المخالفة للعهد الدولي لحقوق الإنسان، التي لايزال بعضها يشكل انتقاداً حاداً في المحافل الدولية للكويت، أضف إلى ذلك تحرير التجارة من الأعباء التي فرضت عليها في العقود الماضية، وبناء منظومة تكامل صناعي - تجاري - غذائي يخدم مستقبل الكويت وشعبها، ويساهم في الحركة التجارية الإقليمية، ولتكن كل هذه الأفكار حوافز مشجعة، وبعيدة عن التحاسد ولي الذراع.
في كل هذا، وكما أسلفنا، يمكن الأخذ من الدول الأخرى، وهو ليس عيباً، ومنح محفزات للعاملين في كل قطاع كي يعملوا وفق مايخدم مستقبل الكويت التي عليها أن تستفيد من موقعها الجغرافي، وكذلك طبيعة شعبها المتسامح، فهذه من البديهيات التي على الحكومة العمل بها كي تكون على قدر انطلاقة العهد الجديد.
0 تعليق