في مقالة سابقة، وبعنوان "عندما كانت الكويت عاصمة الحل العربي"، كنت أظن أنني قلت ما كان ينبغي ان يقال، ليس بقلم كاتب محدود الصوت والقدرة، فالقضايا الكبيرة والمحورية لا تُحل، او تنتهي من خلال مقالة في صحيفة، ربما لا تصل كل القرّاء، او الى مسؤولين معنيين بالقضايا المعروضة، فالكاتب مهمته اثارة قضايا، لا حلها. المسؤولون والمعنيون بالقضية هم المخولون بالتحرك، والاتيان بالحلول، نحن الكتاب مهمتنا ان نعلّق الجرس.
نذكر مجددا، يوم كانت عاصمة الحل العربي، جميع الازمات، او غالبية، عربية او خليجية، كانت في الاعم لا تنتهي الا بابتسامات المغفور له، عميد الديبلوماسية العربية والعالمية، سمو الشيخ صباح الاحمد، الذي عرك السياسة العالمية، وتناول نخبا من تلك السياسات، اغلبها مر. لا زلت اتذكر ازمة الفلسطينيين مع الاردن، في ما سُميت "ايلول الاسود"، ولم ينقذ رأس عرفات الا الكويت، عندما ذهب المرحوم سمو ولي العهد، حينها، الشيخ سعد العبدالله الى الاردن لحل الازمة، وهرّب عرفات، وانقده من الموت عندما البسه دشداشته، وبشته وعقاله وغترته، وجعله من ضمن الوفد الكويتي المغادر.انها حيلة لكنها حيلة ما بين الطعم السياسي والفطنة الضرورية في وقت الضرورة، كذلك الحرب الاهلية في لبنان التي لم تكن لتشتعل لولا الوجود الفلسطيني، بالمناسبة في ازمة عربية نرى الفلسطينيين في وسط ووراء الازمة.
ففي تونس بعد ان تَرَكُوا لبنان، ولجأوا الى تونس احدثوا ازمة، وهناك تمت تصفية ابو اياد وخليل الوزير بأيد فلسطينية، من قياداتهم المعارضة لعرفات ابو اياد وخليل الوزير وغيرهما.
السياسة الكويتية الخارجية لم تكن مع الاشقاء العرب حتى الطماعة في قضم الكويت، مثل العراق، لم تكن الا معاملة الاخوة والعفو والصفح.
هذه السياسة (سياسة العفو والصفح) ليست شعوراً بالضعف، فالكويت قوية، ومن داخل ارضها وشعبها، لكنها سياسة كانت قائمة على مبدأ الاخوة والعفو.
الشيخ صباح الاحمد دينمو السياسة الخارجية، لم يكن ليرضى ان تتورط اي دولة عربية بأزمة، ونبقى نتفرج.
تعالوا لنعد الازمات التي حلتها السياسة الكويتية، رغم ما كانت تجترعه من سموم بايد عربية، فالطعنات كانت من الخلف، في الوقت الذي كانوا يقبضون الدينار الكويتي بيسارهم، يطعنون السكاكين بيمينهم. الكويت منذ استقلالها وقبله( 1961) لم تكن الا عربية، وكان على اغلفة الاوراق الرسمية عبارة "الكويت بلاد العرب"، فيما العربان الاخرون يتمسخرون على الكويت، ويصفونها بـ"الكويت الدولة العظمى"، متجاهلين ان العظمى ليست بكبر المساحة ولا باقتصاد قوي، ولا بشعب همجي جاهل.
الكويت منذ رحيل عميد الديبلوماسية الخارجية، علينا ان نصف انها انكمشت الى الداخل الى حد ما، فالادارة المالية اولت اهتمامها بالداخل الكويتي، واعادة ترتيب الداخل، لكن هل ذلك يعني ان نعود الخلف ونقبل الجلوس في المقاعد الخلفية؟
الكويت التي كانت مدرسة لتعليم السياسات الدولية لدويلات ناشئة، سوف يبقى مقعدها في الامام، رغم رفض الاخرين... انها الكويت يا سادة، لن تكون الا في المقدمة، وثبات الرأي والمواقف.
صحافي كويتي
0 تعليق