مَنْ يحمى تراث الفاجومى؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عاش الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم حياته بالطول والعرض.. ما عملش حساب لحاجة ولا لحد ولا حتى الزمن.. أحب هذه البلاد على طريقته التى أزعجت البعض فى معظم الأحيان.. لكن ما لا ينكره عليه أحد هو أنه كان كبيرًا وفذًا ونادرًا.

فى الفترة الأخيرة من حياته حصل على جائزة كبرى من إحدى الجهات.. لا أذكرها.. ووضع قيمتها المالية فى حسابه.. وقبل أن يغادرنا بقليل ذهب إلى البنك وقرر أن يذهب بكل ماله لإحدى الجهات الخدمية أظنها مستشفى السرطان.. وتبقى له مبلغ بسيط.. كام ألف يعنى.. وفيما هو خارج من البنك.. إذا به يكبش ما فى سيالته ويمنحها لأفراد الأمن.. وفيما هو يركب سيارته التى أقلته إلى البنك.. نظر فيما تبقى معه وكبشه فى يده ومنحه السائق وهو يقول خد هات حاجة حلوة للعيال.. وعاد خالى الوفاض كما جاء ثم غادرنا إلى دار الحق.. هذا ما يحكيه أصحاب الأيام الأخيرة.. وهذا ما أصدقه تمامًا.. الرجل الذى أعطى ظهره لكل ما هو مُغرٍ.. ليس غريبًا عليه أن يفعلها.. مثلما فعلها مع رؤساء دول عرضوا عليه البقاء فى دولهم ومنحه ما يشاء من مزايا وأموال.. وغادرهم جميعًا ليبقى حرًا شاعرًا. 

لماذا أكتب هذه الحكايات الآن؟.. لأننى عرفت أن البعض يستبيحه منذ وفاته بالاستيلاء على حقوقه وحقوق ورثته فيما أبدع.. سنوات عشر ويزيد وأغنياته يتم تسويقها دون أن تحصل أسرته على مليم واحد.. وهذا أمر عجيب.. ولولا الصدفة ما اكتشفت ابنته الكاتبة نوارة نجم الأمر.. الغريب أن مَن استولى على حق نشر وتسويق تراث نجم بلا أى سند يقوم بمنع الآخرين حتى لو كانوا ورثته من استخدام هذا التراث ببجاحة منقطعة النظير. 

بدأت القصة عندما فكر أحدهم فى استخدام أغنيتين لنجم فى عمل فنى.. وطلب من أسرته الحصول على تنازلات موثقة.. وهو أمر معتاد لتفاجأ الأسرة بمَن يدّعى ملكيته للحقوق.. وتبدأ رحلة نوارة فى تتبع الشركات التى تدّعى ملكية أعمال والدها.. وهو الذى لم يصرح لأحد بذلك فى حياته.. كان يعتقد أن الناس- كل الناس- هم أصحاب ما يكتب.. الغريب أن بعض هذه الشركات راح يساوم زوجته بمبالغ زهيدة.. ظنًا منه أنها سيدة لا تقرأ ولا تكتب.. وهو ما أخبرت به الزوجة ابنته نوارة.. التى تعبت من منطق الذين استولوا على حقوقها وحقوق أختها المريضة.. بعض هؤلاء يزعم أنه حصل على موافقة الشيخ إمام أو ورثة إمام باعتبارهم الملاك.. وإن تنازل الشيخ إمام يَجُب حقوق نجم على أساس أن نجم باع أغنياته للشيخ.. الذى لم يعمل فى أى لحظة من حياته منتجًا.

.. فى النهاية لجأت نوارة إلى المحكمة وهى تعتقد أن القانون سيحفظ لها حقها.. وهذا ما نتمناه.. وحتى يحدث ذلك ربما يستغرق الأمر سنوات أخرى تزيد على السنوات التى تم نهب حقوق الرجل فيها.. ما يحدث مع المبدعين من قِبل بعض التجار أمر سخيف ومُزرٍ.. وتطبيقات قوانين الملكية الفكرية فى بلادنا تسمح بعبث يؤدى إلى يأس أصحاب الحق ونفورهم.. للمرة المليون أدعو كل المهتمين بهذا المجال وتلك الصناعة وبالعدل والقانون أن ينظروا فى تلك التشريعات مرة أخرى.. فليس معقولًا أن تبيع زوجة شاعر ومبدع كبير مثل نجم شقتها لتعالج ابنتها.. فيما يرفل دخلاء لا علاقة لهم بالإبداع من قريب أو بعيد فى نعيم أمواله.

القضية ليست قضية الفاجومى وحده.. أعرف عشرات الحالات التى لا يستطيع أصحابها القتال والحرب فى سراديب المحاكم.. بعضهم لا يملك أتعاب المحامين من الأصل.. وقضية الحفاظ على حقوق مبدعينا وهى فتات من الأصل سواء فى حياتهم أو بعد رحيلهم لا تحتمل التأجيل.

الآن وقد تعددت الوسائط التكنولوجية والمنابر والمنصات التى تستخدم ذلك الإبداع.. وهو أمر جديد لم يقدره المشرع بما يناسبه.. لزم على النقابات وجمعية المؤلفين وممثلى أهل الإبداع فى البرلمان المصرى إعادة صياغة القوانين المنظمة لعمل تلك الجهات والشركات.. ومن الواجب أيضًا تغليظ العقوبة على من يستحل أكل أموال المبدعين بالباطل.. هذه الجرأة التى تصل إلى حد الوقاحة يجب أن تتوقف.. هذا إذا كنا جادين بالفعل فى اهتمامنا وتقديرنا لقوانا الناعمة. 

أما عن عمنا نجم وإبداعه.. فقد آن الأوان لأن نعيد له حقوقًا كثيرة.. ليس أقلها دراسة إبداع الرجل بعيدًا عن مواقفنا المختلفة من اتفاقنا أو اختلافنا مع مواقفه الشخصية تجاه الأشخاص والقضايا.. نجم مبدع كبير لم نذاكره جيدًا.. ولم نكتشف تجربته بعد.. هذا ما أظن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق