على مدار أكثر من ٤ أيام، ضاعفت مصر من جهودها لإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بهدف تقديم الدعم العاجل للسكان الذين يواجهون أوضاعًا إنسانية متدهورة ومخاطر المجاعة.
وتأتى هذه التحركات فى إطار سعى مصر لتخفيف المعاناة عن مئات الآلاف من سكان القطاع، الذين يعيشون ظروفًا مأساوية نتيجة تدهور الأوضاع الإنسانية، وسط حاجة ماسة إلى الإغاثة العاجلة والمواد الأساسية.
واصطفت مئات الشاحنات التى تحمل أطنانًا من المساعدات الإنسانية على الجانب المصرى من معبر رفح، وخلال المفاوضات أصرت مصر على دخول ما لا يقل عن ٦٠٠ شاحنة مساعدات يوميًا للقطاع.
وقال صحفيون وسياسيون فلسطينيون، لـ«الدستور»، إن الدعم المصرى أسهم فى تخفيف معاناة السكان المنكوبين، فى ظل استمرار القاهرة فى إدخال المساعدات إلى القطاع والتى تلبى حاجة الأهالى بعد أشهر العدوان.
عاكف المصرى: الوضع يستدعى تنفيذ المقترح المصرى بتشكيل لجنة للإسناد
قال عاكف المصرى، مفوض عام العشائر الفلسطينية فى قطاع غزة، إن المستقبل المطلوب للقطاع يستدعى توافقًا وطنيًا بين الفصائل الفلسطينية على المقترح المصرى، والذى يقضى بتشكيل لجنة للإسناد المجتمعى تعمل لفترة مؤقتة بهدف تقديم الإغاثة الإنسانية وإعادة إعمار القطاع، تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة تتيح للشعب الفلسطينى اختيار ممثليه. وأكد أهمية إجراء الانتخابات العامة كاستحقاق وطنى طال انتظاره، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ضرورية لإنهاء حالة الانقسام وتمكين الفلسطينيين من بناء مستقبل مشترك يعزز الوحدة الوطنية. وأضاف «المصرى» أن مصر لم تدخر جهدًا منذ بدء الحرب فى سبيل العمل على ضمان تدفق المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، إلا أن الاحتلال كان يعيق دخول هذه المساعدات ويحدد كميتها ونوعها، لافتًا إلى أن مصر بذلت دورًا مهمًا لوقف الحرب، ووقفت كالسد المنيع لإفشال مخططات الاحتلال فى تهجير سكان القطاع وتصفية القضية الفلسطينية.
وتابع: «نقف جميعًا وقفة إجلال وتقدير لجمهورية مصر العربية الشقيقة، التى لطالما كانت الدرع الواقية لفلسطين وقلبها النابض»، مردفًا: «هذا الدعم المستمر جعل مصر شريكًا أساسيًا فى النضال الفلسطينى، بعدما قدمت دفعة معنوية كبيرة لأبناء شعبنا فى كل مكان».
وأضاف أن الشعب الفلسطينى يعوّل بشدة على دور مصر فى الأيام المقبلة فى احتضانها لأهل قطاع غزة وإغاثتهم وعلاج الجرحى وإعادة إعمار القطاع.
أمجد الشوا: القاهرة بذلت جهودًا مضنية لإيقاف العدوان
أشاد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، بالدور الكبير الذى تلعبه مصر فى دعم الشعب الفلسطينى، واصفًا الجهود المصرية بـ«الموقف الإنسانى والتاريخى» الذى أسهم فى وقف العدوان الإسرائيلى وتحقيق التهدئة، مؤكدًا أن التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية كانت حاسمة فى إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وأوضح أن مصر بذلت جهودًا متواصلة على مدار أشهر طويلة من العدوان الإسرائيلى، شملت تقديم المساعدات بكل أشكالها، وإجلاء المرضى والجرحى لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية.
وأضاف أن دخول مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية خلال الأيام الماضية، بفضل الدعم المصرى، يخفف من تداعيات الكارثة الإنسانية التى عانى منها سكان قطاع غزة، خاصة فى ظل الحصار الإسرائيلى المستمر الذى تسبب فى نقص حاد فى الاحتياجات الأساسية، ووصف ذلك بـ«جريمة تجويع ممنهجة». وأشار إلى أن استمرار تدفق المساعدات يشكل خطوة مهمة لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية فى غزة، لافتًا إلى أن التنسيق جارٍ مع وكالات الأمم المتحدة لضمان توزيع المساعدات على مستحقيها.
وبيّن أن العدوان الإسرائيلى دمر البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للقطاع، ما دفع جميع السكان للاعتماد على المساعدات الإنسانية، خصوصًا مع خروج معظم مستشفيات غزة من الخدمة.
وأكد الحاجة الملحة لاستمرار عمليات الإجلاء الطبى وتوفير المستلزمات الصحية لعلاج الجرحى والمصابين، بمن فيهم أولئك الذين يعانون من إعاقات دائمة أو إصابات خطيرة، مشددًا على أهمية الدور المصرى فى هذا الإطار، معربًا عن أمله فى استمرار الدعم خلال المرحلة المقبلة، سواء على المستوى الإنسانى أو السياسى.
وفيما يتعلق بمستقبل غزة، دعا إلى تعزيز الجهود المصرية لتحقيق اتفاق شامل يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم، والعمل على إنهاء الانقسام السياسى الفلسطينى وتحقيق المصالحة الوطنية.
كما شدد على ضرورة رفع الحصار الإسرائيلى عن غزة، والسماح بإدخال جميع المستلزمات الأساسية، إضافة إلى تمكين القطاع الخاص من استعادة نشاطه.
وأشاد بالمبادرات المصرية، خاصة فى عقد مؤتمرات المانحين لإعادة إعمار غزة، مؤكدًا أن هذا الدور المصرى يحظى باحترام وتقدير كبيرين من الشعب الفلسطينى.
نزار نزال: القطاع يفتقد إلى جسم سياسى مؤهل لتلقى أموال إعادة الإعمار
رأى الدكتور نزار نزال، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، أن حركة حماس ما زالت تتمتع بقدرات كبيرة داخل قطاع غزة، رغم الأضرار التى لحقت ببعض قدراتها العسكرية كالقوة الصاروخية والأنفاق.
وأشار إلى أن المشاهدات الميدانية خلال الأيام الأولى للهدنة، مثل انتشار الشرطة التابعة لحماس وقوات الأمن ومقاتلى الحركة، بالإضافة إلى تنظيم عمليات تسليم الأسرى، تشير إلى أن الحركة ما زالت تحتفظ بسيطرتها وقوتها فى القطاع.
وتحدث عن الدور المحورى الذى لعبته مصر فى الوصول إلى اتفاق الهدنة، مؤكدًا أن القاهرة استخدمت كل أوراقها السياسية الثقيلة خلال الفترة الماضية لممارسة ضغط حاسم، ما أدى إلى تحقيق هذا الإنجاز، موضحًا أن مصر تحركت بأسلوب هادئ ودون ضجيج، لكنها تركت بصمة واضحة فى تهدئة الأوضاع وضمان سير العملية السياسية.
وفيما يتعلق بإعادة الإعمار، أشار «نزال» إلى أن الأمر مرتبط بشكل كبير بدور مصر، مؤكدًا أنه لا يمكن تنفيذ أى خطط لإعادة الإعمار دون دور مصرى فاعل، ومع ذلك، أوضح أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الملف، أبرزها غياب جسم سياسى معترف به دوليًا داخل القطاع، يمكنه تلقى الأموال وضمان استخدامها بشكل فعال.
وأضاف أن الحديث عن مائة مليار دولار لإعادة الإعمار يحتاج إلى ضمانات طويلة الأمد، لضمان عدم تكرار الحروب، كما حدث سابقًا فى أعوام ٢٠٠٨، ٢٠١٢، ٢٠١٤، ٢٠١٨، و٢٠٢١.
وبين أن التجارب السابقة تظهر أن إعادة الإعمار لا تزال تواجه عقبات، حيث لم يتم حتى الآن إصلاح الدمار الذى خلفته حرب ٢٠٠٨.
واختتم بتأكيد أهمية تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط أساسى لأى عملية إعمار، داعيًا إلى توافق بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس وباقى الفصائل، بالتعاون مع الدول الإقليمية مثل مصر والأردن ودول الخليج، لإطلاق حركة إعمار شاملة تعيد بناء قطاع غزة بشكل سريع وفعّال.
إيناس حمدان: هناك 4 آلاف شاحنة تابعة لـ«أونروا» تنتظر الدخول
أكدت إيناس حمدان، القائمة بأعمال مدير الإعلام فى وكالة «أونروا»، أن وقف إطلاق النار فى غزة أدى إلى بدء تدفق الشاحنات المحملة بالمساعدات الإغاثية إلى القطاع، ما يسهم تدريجيًا فى تخفيف المعاناة الإنسانية.
وأوضحت إيناس حمدان، لـ«الدستور»، أن هناك ٤٠٠٠ شاحنة مساعدات تابعة لـ«أونروا»، تنتظر على المعابر لدخولها خلال الأيام القليلة المقبلة، مضيفة أنه ووفقًا لتقرير أصدرته الوكالة فى اليوم الأول من التهدئة، فإن نصف حمولة هذه الشاحنات تحتوى على مواد غذائية وطحين، وهى احتياجات أساسية لسكان غزة الذين عانوا انخفاضًا حادًا فى توافر الغذاء خلال الأسابيع الماضية.
وأكدت أن فرق «أونروا» على الأرض تعمل على مدار الساعة لاستلام المساعدات وتوزيعها على النازحين الذين هم بأمسّ الحاجة إليها، مشيرة إلى الجهوزية الكاملة لتسريع عمليات الإغاثة وضمان وصول المساعدات لأكبر عدد ممكن من المحتاجين.
عماد عمر: سيناريوهات العودة للحرب ضعيفة بعد فتح الاحتلال جبهة جديدة بالضفة
قال الدكتور عماد عمر، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، إن الهدنة تمر وفق ما هو متفق عليه بين كل الأطراف، وبرعاية الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة، ويتم تنفيذ بنودها، سواء المتعلقة بالمساعدات وتدفقها للقطاع أو المتعلقة بتبادل الأسرى، رغم حجم الأصوات والضغوطات على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من قبل اليمين المتطرف فى إسرائيل بالعودة للحرب بعد ٤٢ يومًا، وهى المرحلة الأولى من الاتفاق.
وأضاف «عمر» أن سيناريوهات العودة للحرب على غزة ربما تكون ضعيفة وسط تهديد من قبل الإدارة الأمريكية بالوقوف فى وجه من يخرق هذا الاتفاق، إلى جانب انشغال الإدارة الأمريكية الحالية بملفات أخرى، منها الاقتصاد الأمريكى والهجرة وحرب أوكرانيا والملف الصينى وملفات أخرى أكثر اهتمامًا بالنسبة لدونالد ترامب.
وتابع: «نحن أمام سيناريو فتح جبهة جديدة فى الضفة الغربية فى ظل تسليح وتصعيد المستوطنين والهجمات الليلية التى ينفذها الاحتلال الإسرائيلى فى مدن الضفة الغربية، وبهذا يكون نتنياهو قد أرضى طموح اليمين المتطرف فى إسرائيل فى نشر الاستيطان ومصادرة أكبر قدر ممكن من المستوطنات وضمها إلى السيادة الإسرائيلية وفق المعتقدات التوراتية المتعلقة بيهودا والسامرة وأورشليم، وهذا ما يسعى له الوزيران المتطرفان سموتريتش وبن غفير، وبهذا يتجاوز الأزمة القائمة حول التهديد بإسقاط الحكومة». أكد «عمر» أن الاحتلال الإسرائيلى تسبب فى كارثة ودمار شامل طالًا كل مناحى الحياة فى القطاع. وأوضح أن إعادة بناء مقومات الحياة فى غزة تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، بالإضافة إلى تضافر جميع الجهود المحلية والدولية لتحقيق ذلك.
وأشار إلى ضرورة الاتفاق على تشكيل حكومة تكون مقبولة، دوليًا وإقليميًا، قادرة على حشد الدعم والتمويل اللازم لإعادة الإعمار. وأكد أن الأولوية تتمثل فى إزالة ركام المدن المدمرة وتوفير مأوى للأعداد الكبيرة من السكان الذين فقدوا منازلهم، إلى جانب وضع حلول عاجلة لقطاعات حيوية، كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء والصرف الصحى.
وشدد على أن هذه العملية المعقدة ستحتاج إلى المزيد من الوقت، مشيرًا إلى أهمية العمل المشترك لتجاوز هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة. واستطرد بأن حجم الكارثة كبير ولا تستطيع جهة وحدها إدارة هذه الأزمة، سواء المتعلقة بالمعابر أو المتعلقة بالوضع الداخلى ولا يمكن فصلهما عن بعض.
0 تعليق