أزﻣﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﻴﺎب اﻷﺳﺮة وﺿﻌف اﻟﻮازع اﻟدينى
ﺧــﺒﺮاء: ﻧﺸﺮ ﻓﻴﺪﻳﻮﻫﺎت اﻟﺬﺑﺢ ﻳﺴﻬﻢ فى زﻳﺎدة ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ
ﺗﻜﺮار اﻟﺠﺮاﺋﻢ ﻳﻬﺪد اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ.. واﻟﻼﻣﺒﺎﻻة ﺗﺼﻴﺐ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ
ظواهر غير طبيعية، باتت تكتسح مجتمعاتنا الشرقية، وتنتشر كالنار فى الهشيم، من قتل واغتصاب حتى تقطيع الجثث على مرأى ومسمع من الجميع، بل أصبحنا نستيقظ يوميًا على جرائم تقشعر لها الأبدان، وتشيب الرءوس من فظاعتها ودناءة مرتكبيها الذين تجردوا من كل مشاعر الإنسانية، وارتكبوا أفعالاً تنكرها الشياطين، والأبشع من تلك الأفعال هو نشرها على مواقع «السوشيال ميديا» واعتياد المواطنين على مشاهدتها وكأنها أصبحت أمراً طبيعياً.
جرائم تنذر بخطر محدق بمجتمعنا المشهور بالطيبة والشهامة والتسامح، بينما لا مبالاة من بعض المواطنين تجاه ما يحدث وكأنهم اعتادوا على مثل هذه الجرائم البشعة التى تدل على أن المجتمع المصرى يعانى أزمة حقيقية بسبب غياب رقابة الأسرة وضعف الوازع الدينى، والعنف المستمد من الأفلام والمسلسلات الدرامية التى صنعت نفوسا متشبعة بالعنف والدماء، وقلة الرقابة المجتمعية والأخلاق الإنسانية فيها صبغت المجتمع بصبغتها الوحشية، أبطال يفعلون ما يحلو لهم، مما خلق لنا واقعاً دموياً أصبحنا نستيقظ عليه كل يوم.
وكان آخر تلك الجرائم التى تتسم بالعنف والقتل، قيام شاب بذبح جاره وفصل رأسه عن جسده وسط اندهاش المارة، وسيدة «ولى أمر» قامت بطعن طالب، زميل نجلها، داخل مدرسة فى قرية بمحافظة قنا باستخدام سكين مطبخ، ما أدى إلى إصابته، وقتل ضابط شرطة، داخل الفرع الرئيسى لـ«بنك مصر» بمحافظة الفيوم، على خلفية مشاجرة وقعت داخل البنك بين أحد العملاء وموظفى الفرع، كما وقعت مشادة كلامية بين طالبتين فى المرحلة الإعدادية، تحولت لمشاجرة أمام مدرسة سرايا القبة الإعدادية فى منطقة الزيتون، تسببت فى إسالة الدماء وإصابات فى الوجه، حيث انتهت المشاجرة بإصابة طالبة على يد الثانية فى وجهها، لتعالج بـ40 غرزة فى الوجه، وذلك باستخدام قطعة زجاج، وتتويجًا للجرائم البشعة ففى جريمة لا تقل بشاعة استطاع الأمن تحرير سيدة فى البدرشين بمحافظة الجيزة بناءً على بلاغ من والدتها، واتضح أن أهلها بما فيهم أبوها – المتوفى حالياً - وعمها وشقيقها حبسوها وربطوها بالسلاسل فى غرفة مظلمة لمدة 6 سنوات بعد طلاقها من زوجها.
العنف يترسخ فى المجتمع
وخرج المجتمع ليندد بما يحدث من أهوال وتعذيب وقتل بين أفراده، حيث تقول ميرفت مصطفى موظفة: بما أن كل تلك الحوادث حالات فردية كما يقول البعض، فمتى سنعرف أن تلك الحوادث هى حالة عامة، وأصبح العنف جزءاً أصيلاً يتم ترسيخه فى المجتمع، جاء نتيجة الجهل وقلة الوعى، والظلم وعدم وجود عدالة فى شتى المجالات، والفقر الناتج عن غلاء المعيشة، وانعدام فرص العمل، وعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد وسط انفلات تام بجميع الخدمات وفرضها.
ومن جهته، قال ممدوح هاشم، موظف، إن ما حدث فى الأقصر ليس مجرد حادث بل جرس إنذار لمجتمع بحاجة إلى وعى ورحمة، والمشهد الصادم يعكس وحشية بلا حدود، حين يفقد الإنسان إنسانيته، يؤدى إلى تحول الحياة إلى كابوس مرعب ومخيف، ففى الحقيقة نحتاج إلى وعى أكبر وإلى تربية كبيرة وإلى مجتمع ينبذ العنف قبل أن يصبح عادة.
واتفقت معه فى الرأى داليا فكرى - ولية أمر- قائلة: «تلك الحوادث تدل على أن معدل العنف مع السلبية تخطى حدود المنطق، وباتت تلك المشاهد عادية قتل وذبح وقتل الأزواج والزوجات والأطفال، إحنا بقينا عايشين فى غابة كل يوم الواحد يخاف منها اكتر من اليوم اللى قبله وللأسف.
واتفق معهم فى الرأى، عماد الدين موظف، أن وتيرة العنف المتصاعدة فى المجتمع والتى بدأت من المشاجرات فى المدارس، ثم عميل يسحب أموالاً من البنك فيفقد أعصابه لدرجة ارتكابه جناية، وآخرها واقعة الأقصر، فجميع تلك الحوادث، تأتى أسبابها من الاختلال الوظيفى فى البناء الاجتماعى مع تصاعد مشاعر السخط التى تغذيها السوشيال ميديا، وإهمال الحاجات الاجتماعية الأساسية والفجوة بين الاجيال واغلاق المجالات، ما ينشأ عنه كثرة العنف وإيذاء الغير بسبب الغضب الداخلى للمواطن، وبتنا نرى أن الشارع غير آمن، ومجالات التعليم غير آمنة، والعلاقات الطبيعية بين الناس غير آمنة، تعامل كل جيل مع جيل غير آمن.
ومن جهتها، قالت روان حسين، طالبة جامعية، «إحنا بقينا عايشين فين؟، فمثل تلك الحوادث تدل على أن معدل العنف الذى وصل له المجتمع مع السلبية، تخطى حدود المنطق، وباتت عادية فنحن أصبحنا نعيش فى غابة»، لذا يجب أن ننتقد بشدة تلك الظاهرة المؤسفة التى تجعل البعض يفضلون تصوير الجرائم بدلاً من التدخل لمنعها، كما أن تصوير الجرائم ونشرها لا يزيد إلا من الألم والمعاناة، بينما التدخل الفعلى يمكن أن ينقذ الأرواح ويمنع وقوع المزيد من المآسى، علينا أن نعيد النظر فى أولوياتنا وأن نتحلى بالشجاعة اللازمة للتصرف بحزم فى مواجهة أى مجرم.
نشر الفيديوهات طمعاً فى تريند رخيص
وعن حالات العنف المتكررة، قالت إلهام المهدى، الخبيرة القانونية، إننى شاهدت للتو فيديو مذبحة الأقصر ورأيت بعينى الجانى المجرم السفاح وهو يذبح الضحية ويقطع الرأس ويفصله عن جسده ويمثل بجثته وسمعته يهذى بالكلمات وهو يأكل من لحم ضحيته الحى وهو غارق فى دمائه؛ حينها ارتجف قلبى، وظل سؤال واحد يراودنى بصوت عال «كيف وصلنا إلى هذا العنف والإجرام وانعدام الإنسانية وأين كنا كمجتمع؟!!!»، وما زاد حيرتى وغضبى وأسفى أننى رأيت عشرات الأشخاص داخل الفيديو أثناء ارتكاب الجريمة وهم فى قمة السلبية واللامبالاة وانعدام المسئولية بل وصل الأمر إلى انشغالهم بالتصوير والبث المباشر دون أدنى رد فعل أو تدخل بل رأيت صفحات وأشخاصاً يتاجرون بالفيديو عبر الصفحات والتطبيقات طمعاً فى أرباح ومشاهدات وتريند رخيص ولكنه ليس أرخص منهم بكل تأكيد.
وتابعت «المهدى»، تساءلت مندهشة أين ذهبت نخوة ورجولة وشجاعة وشهامة المصريين التى كانت مضرب المثل؟، فالحقيقة هنا أنه مع تعدد وتكرار تلك المشاهد والجرائم المرعبة خلال الآونة الأخيرة فإن الأمر يحتاج لوقفة عاجلة من الجميع دون استثناء حتى لا تتفاقم الأمور والأوضاع وتتحول تلك الأحداث والجرائم الفردية إلى ظاهرة مجتمعية قد لا يمكن تداركها، حيث إننى أرى إننا جميعا مسئولون، فأين الأسرة؟، وأين الإعلام؟، وأين صناع الدراما؟، وأين الجهات والوزارات المعنية؟، وأين رجال وعلماء الدين؟، وأين خبراء علم النفس والاجتماع؟، وأين الأطباء النفسيون؟ وأين المدارس والجامعات ومراكز البحوث؟، وأين الحكماء والشخصيات العامة وقادة الرأى؟، وإذا لم نتحرك جميعا والآن فلنقل على المجتمع السلام.
وعن حالات العنف فى المدارس، أشارت الخبيرة القانونية، أنه يجب تدخل وزير التعليم شخصيًا، حيث يجب إلغاء امتحانات أى طالب ثبت عليه ارتكاب عنف، أو بلطجة، أو كان يحمل آلات حادة فى المدرسة أو فى محيطها، واعتباره راسباً عن العام الدراسى كله، وفصل نهائى لكل من ثبت عليه العنف، الطعن، البلطجة، الضرب، الشغب فى اللجان، أو ترهيب المعلمين والطلاب، كما حدث فى الشهادة الإعدادية، وإلغاء امتحانات أى طالب، وفصله فصلاً نهائياً، إذا قام والده، والدته، بممارسة العنف، البلطجة، الضرب، الترهيب، ضد أى طالب أو معلم، كما حدث فى محافظة المنيا من طعن إحدى الأمهات لزميل ابنها، ومطالبة المديريات والإدارات التعليمية، بقائمة للطلاب مرتكبى كل هذه الوقائع، وبعد إدانتهم، يكون قرار الفصل من وزير التربية والتعليم شخصيا، بما لا يُعرض المدارس لأى ضغط أو ابتزاز أو وساطات أو علاقات، حتى لو تم الصلح فى أى مشكلة أو قضية، فيه حاجة اسمها حق المجتمع، حضرتك تنازلت عن حقك إنت حر، أنا كوزارة أو كحكومة هجيب حق المجتمع منك بعقوبات إدارية، وإذا تم تغطية على تلك الحوادث لأى سبب كان، ستكون هناك كارثة على المجتمع وطالما الإدارات والمديريات والمدارس موقفها سلبى بالشكل ده يبقى الحل عند وزير التربية والتعليم بقرارات لا تقبل التهاون.
كما وجهت رسالة للمجتمع لمن يرى مثل تلك الحوادث ولا يتكلم، فأين المروءة، من شاهد وعاصر ونشر جريمة القتل البشعة سواء فى الأقصر أو التى وقعت فى المدارس، إلى كل من كان حاضرًا وشاهدًا على تلك الجريمة التى هزت الإنسانية والضمائر، وإلى من اختار نشر تفاصيلها دون مراعاة لمشاعر الضحايا وأهلهم، نذكركم بأن الصمت عن الحق والتهاون فى التصرف بمروءة هو جريمة بحد ذاته، كما أن نشر الجرائم بهذا الشكل البشع لا يقتصر ضرره على إيذاء أسر الضحايا، بل يساهم فى تعميق الجراح الاجتماعية وتطبيع العنف فى المجتمع.
وتابعت أنه وفقًا للقوانين التى تحكم النشر فى الجرائم، فإن نشر الصور أو الفيديوهات التى تنتهك خصوصية الضحايا أو تحرض على العنف أو تؤجج المشاعر العامة يُعد مخالفة قانونية صريحة قد تؤدى إلى: المساءلة الجنائية، بتهمة نشر محتوى يخل بالآداب العامة أو ينتهك خصوصية الأفراد، والعقوبات المادية من حيث فرض غرامات كبيرة على من يثبت تورطه فى تداول المحتوى، والتحريض غير المباشر، واعتبار النشر سببًا فى زعزعة السلم المجتمعى وتحميل المسئولية القانونية للنشر السلبى، لذا أناشد الجميع أن يتحلوا بالمروءة والمسئولية الأخلاقية فى التعامل مع مثل هذه الأحداث، وأن يجعلوا من دورهم وسيلة لتعزيز الإنسانية، لا وسيلة لنشر الألم والمعاناة.
العنف أصبح عابراً للطبقات
فيما قدمت الدكتورة ولاء شبانة، استشارى الصحة النفسية والسلوكية، تحليلًا متعمقًا لما يمكن أن يعكسه سلوكيات المجتمع العنيفة، من أزمات تربوية وأخلاقية تعصف بالمؤسسات التعليمية، لا سيما المدارس الخاصة، والذى يبدأ من الانحلال الأخلاقى، والذى صدر من مديرة مدرسة «كابيتال» والتى تعد مؤشرًا خطيرًا على غياب القيم التربوية التى يُفترض أن تكون أولى أولويات المؤسسات التعليمية، وخاصة فى القطاع الخاص، مضيفة «حين تصدر مثل هذه التصرفات عن قيادة تربوية، فإنها ترسل رسالة سلبية للطلاب والمعلمين بأن التجاوز وقلة الاحترام سلوك مقبول، بل وربما يُبرر، لذا المسئولين فى القطاع التعليمى، سواء كانوا فى الوزارة أو المدارس، عليهم واجب تقديم القدوة الحسنة فى الحوار واحترام السلطة ومراعاة القيم التى تتفق مع رسالة التعليم، وعندما لا ترى الإدارة أى مشكلة فى مهاجمة أعلى سلطة تعليمية فى الدولة، فكيف يمكنها أن تُقنع الطلاب باحترام معلميهم وزملائهم؟، والتعليم الخاص فى مصر، رغم أنه يسد فجوة مهمة فى العملية التعليمية، إلا أنه بات بحاجة إلى رقابة أكثر صرامة لضمان التزامه بالدور التربوى والتعليمى المطلوب، أصبح بعض المسئولين يرون المدارس الخاصة كمشروعات ربحية بحتة، ويتجاهلون أن هذه المؤسسات تُعنى بتشكيل سلوك الأجيال القادمة
وتابعت «شبانة»، أن مثل تلك القضايا المنتشرة، انتشرت بسبب الخلل النفسى والقيمى للمجتمع، فالجريمة التى حدثت بالاقصر، ليست جريمة فردية، فهناك مثيلاتها فى الإسماعيلية منذ عامين، إذ تمثل خللاً عميقًا فى البنية النفسية والأخلاقية للمجتمع، ففى هذا الزمان الذى اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبح فيه لا القاتل يدرى لما قتل؟ ولا المقتول يعلم لماذا قتل؟ أصبحت جرائم القتل تجسد خلل نفسى وأخلاقى فى بنية المجتمع.
وتابعت «شبانة»، وليس هذا بعد، فهناك فئة فى المجتمع ممن ينقلون الجريمة لايف، ويتلذذون بمشاهدة هذا العنف اللا ادمى، بل يتنافسون فى التوثيق والنقل المباشر بل يزيدون بوضع لوجهات باسمائهم على تلك المشاهد اللا آدمية للحصول على مزيد من الاعجابات، واملا فى الترند كل ذلك يدلل على الانفصال والانفصام فى الشخصية، كما يشير إلى وجود فجوة كبيرة فى النسق القيمى الظاهر والباطن لهؤلاء، لذا وجب علينا أن نعترف أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل قتلت بداخلنا كثيراً من القيم واصبحنا لعبة ودمية لتلك المشاهد السينمائيه والتلفزيونيه التى أخرجتنا من طور الادميه إلى الحيوانية بكل ما فيها من دونيه وانحطاط، فالحيوان عندما يرى بنى جلدته يقتل ويسلخ يفر هارباً، أما نحن نستمع ونتفرج ونوثق ثم نمصمص الشفاه شفقة على القتيل، لذا لابد من معالجة المشكلة من جذورها فالجانى قد يكون مختلا عقليا وسيقتص منه القانون، ولكن من سيحاكم من وقف متفرجا؟ ومن سيحاسب من بث ونشر ووثق؟ فهؤلاء هم المرضى الحقيقيون.
ولفتت الخبيرة النفسية أنه لا يوجد سبب واحد رئيسى لكل ما يحدث، فهناك الدراسات التى قتلت بحثًا العلاقة بين الجريمة والعنف وبين الوضع الاقتصادى، والحقيقة الوضع الاقتصادى الخانق فى مصر والضغط غير المسبوق على الأسر هو أحد المشكلات التى تجعلهم يعانون نفسيًا وماديًا، خاصة وأنه حوالى ثلث الشعب مهدد بالجوع، بالإضافة إلى أن العنف فى مصر أصبح عابر للطبقات، فالموضوع ليس هنا ليس أزمة اقتصادية فقط.
وتابعت أن تنشئة الطفل هى السبب الرئيسى وراء تلك الجرائم، فمن الممكن أن يكون لدى البعض نوايا إجرامية، وهنا يأتى دور الأسرة سواء فى منع هذه النوايا من خلال التربية على الأخلاق القويمة والإيمان والتسامح، أو زيادتها من خلال غياب القيم والدين، مؤكدة أن وسائل الإعلام والفن والمسلسلات ساعدت كثيراً فى انتشار مثل هذه الجرائم، لذا يجب توعية الطفل من المواد المعروضة، خاصة، مطالبة بتغليظ العقوبات ووجود رد فعل قاس ورادع ليكون عبرة لغيره سواء كان القائم بمثل هذه الأفعال شابًا أم رجلًا، حتى لا يشيع الفساد فى المجتمع، مطالبة بتكاتف جميع مؤسسات التنشئة للوقوف والتصدى لمثل هذه الأفعال، بل وزرع القيم والأخلاق فى نفوس الأطفال، مؤكدة على أن جريمة قطع رأس إنسان وتجول المجرم بها فى شوارع الإسماعيلية مفتخراً متباهياً بجريمته، هى بلا شك أحد آثار أفلام ومسلسلات العنف والبلطجة التى أعطتها شاشات السينما والقنوات التلفازية مساحات واسعة فى السنوات الأخيرة، وأصبح أبطال هذه الأفلام والمسلسلات نماذج يقتدى بها الشباب، ويمثلون أدوارهم فى واقع الحياة حتى كثر القتل.
اللامبالاة أصبحت جزءاً من سلوكيات الكثيرين
ففى الوقت الذى أصبح فيه العنف كالسوس ينخر فى جنبات المجتمع، نجد أن اللامبالاة أصبحت جزءاً من سلوكيات الكثيرين من أبناء الوطن، فالجرائم ترتكب فى الشوارع على مرأى ومسمع من المواطنين ولا يتحرك أحد لانقاذ المجنى عليهم، هكذا بدأ الدكتور أحمد الطباخ كاتب وباحث فى قضايا الفكر واللغة لدى الأزهر الشريف، كلامه قائلًا: «مصر كانت من أكثر دول العالم شهرة بـ(الشهامة)، وكانت ملامح هذه الشهامة تظهر فى سلوكيات الناس فى الحياة اليومية فإذا ظهرت علامات الإعياء على أى إنسان يلتف حوله العشرات يعرضون المساعدة، ولو تعطلت سيارة فى الطريق توقفت لها الكثير من السيارات، ولكن الحال اختلف الآن وغابت مظاهر الشهامة عن المجتمع المصرى، لدرجة أن مئات المتواجدين بالشارع يشاهدون مقتل أحد جيرانهم دون أن يحركوا ساكنًا لمحاولة إنقاذ الضحية أو مقاومة المجرم، ومنهم من يكتفى بالتصوير فقط، كما أن ارتفاع معدلات الجريمة جاء نتيجة حتمية لغياب الشهامة، لأن المجرم وجد مجالًا آمنًا ليمارس جريمته دون اعتراض من أحد ودون محاولة من المحيطين لإيقافه عن جريمته.
ووضع «الطباخ» عدة أسباب وراء انتشار هذا العنف، منها الفقر وهو ما كان له أثر كبير فى غياب دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية لأفرادها، مما يعرض الأجيال لمخاطر الجريمة المترتبة على الانحرافات المختلفة مثل (تعاطى المخدرات – التدخين – أوكار الجريمة – الخ) حيث تذهب اهتمامات رب الأسرة إلى توفير تكاليف المعيشة دون الاهتمام بجودة التنشئة، فضلًا عن انتقال دور السينما من نقل واقع المجتمع إلى صناعة واقع مجتمعى غير موجود بالأساس، وغياب الدور الهام لدور العبادة ورجال الدين فى إحياء الرقابة الذاتية للإنسان، وتشجيع المصلين على الاهتمام بضبط أخلاقهم على بوصلة تعاليم الدين الذى يحث على التكافل الإنسانى ومقاومة الانحرافات.
ولمنع السلوك العدوانى والعنف، أشار إلى أنه يجب أن يبدأ المجتمع من داخل المنزل، حيث يجب الانتباه إلى توجيه الأبناء إلى ارتياد دور العبادة التى تغرس الأخلاق المعتدلة والرقابة الذاتية فى التعامل مع الناس من خلال التربية الروحية والأخلاقية التى تغرسها عبادة الله فى نفس الإنسان، بالإضافة إلى ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعى ومراقبة الأبناء، وعدم متابعة المنحرفين أو مشاهدة المقاطع المنحرفة، وابتعادهم عن التطبيقات ذات الطابع العنيف أو الإباحى، كما يجب على الأسرة الانتباه إلى أصحاب الأبناء وأوقات خروجهم معهم وطبيعة الأماكن التى يرتادونها، بالإضافة إلى دور الأجهزة التشريعية والأمنية، حيث تعد التشريعات الرادعة للجرائم أحد أهم العوامل التى تحد من انتشار مثل هذه الجرائم، حيث سيراجع المجرم نفسه كثيرًا قبل الإقبال على ارتكاب الجريمة لأنه سيجد أمام عينيه عقوبة صارمة قد تكلفه حياته أو سنوات عمره داخل السجن، كما طالب «عثمان» بضرورة حماية المبلغين عن الجرائم حيث إن الشعور بالحماية يخلق سلوكًا ايجابيًا يجعل الإنسان مبادرًا إلى التعامل مع التجاوزات التى قد تظهر من حوله، بالإضافة إلى أن تواجد الشرطة سريعًا فى مواقع الجرائم يقلل من الخسائر البشرية والمادية حيث سيساهم الوصول السريع فى إنقاذ الأرواح والممتلكات والسيطرة على المجرمين.
واختتم كلامه قائلًا: «ما حدث ناقوس خطر لكل مسئول عن تربية هذا الجيل، فالبيت والمدرسة والدولة والمسجد، كل له دور كبير فى علاج هذا الخلل الذى حدث فى عقول وأدمغة أبنائنا، فليس بالمال وتوفيره ولا بالاقتصاد تحيا هذه الأجيال، وإنما بالتربية البيتية والمدرسية والمسجدية والكنائسية، مع قيام الدولة بدورها المنوط بها فى المراقبة وتفعيل الثواب والعقاب، ووضع الإستراتيجيات والسياسات المفصلة للتعليم القائم على التربية الخلقية والسلوكية، وتقديم عباقرة هذا الوطن، كقدوات لطلابنا الذين لا يعرفون عنهم شيئا من أمثال زويل ويعقوب ومحفوظ والعقاد ومشرفة والشعراوى وغيرهم، كما أن المجتمع يحتاج إلى حملات توعية للشباب ضد المخدرات، وحملات توعية ضد أحداث القتل البشع، وحملات توعية ضد عنف طلاب المدارس، وحجب صور النماذج الفاسدة على السوشيال ميديا، وزيادة دور المثقفين وأصحاب الوعى، وعلماء النفس لدراسة الظواهر الاجتماعية، والاهتمام بالأعمال التى تبرز النماذج المتميزة، وليس خلق قدوات منحرفة تعتمد على البلطجة والانحراف وعدم السعى نحو الإثارة السلبية.
0 تعليق