الزي المشاع

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كثير من المهن تكون لها أزياء خاصة، إما لأن هذه المهن بحاجة لأزياء ملائمة لظروف المهنة، كالزي الكامل الذي صمم ليحمي مرتديه من العاملين في البيئات المفتوحة من التعرض للعوامل الخارجية التي قد تؤثر عليهم، وإما للتعريف بهم وبعملهم كالأزياء العسكرية التي تختلف باختلاف القطاعات وأزياء الطيارين والمضيفين وأزياء الطهاة والنُدل.

ولعل أبرز الأمثلة على هذه الأزياء الزي الطبي المتعارف عليه بالـ(scrub)، والذي صمم خصيصا ليرتديه الطاقم الطبي، وذلك لسهولة ارتدائه وخلعه وسهولة الحركة أثناء ارتدائه في ممرات المستشفيات الطويلة، وكذلك للتعريف بهم كعاملين ضمن الطاقم الطبي، ولأن هذه الأزياء الطبية تصنع من أقمشة تتميز بأنها مقاومة إلى حد ما للجراثيم، فلذلك تعد ملائمة جدا للبيئة التي يعملون بها وتحقق الهدف الذي صممت من أجله.

المتعارف عليه أن معظم الأزياء المهنية الآنف ذكرها من غير المقبول ارتداؤها من غير ممتهني تلك المهن التي صممت من أجلها، ويستثنى من ذلك فقط الأطفال في الحفلات المدرسية عندما يرتدونها فخرا وطموحا، عدا ذلك لن تجد عامل توصيل طلبات يرتدي زي الطيارين لأنه يقضي ساعات طويلة خلف المقود، ولا معلما يرتدي زي الحماية الكامل رغبة في التغيير مثلا، وبطبيعة الحال لن يجرؤ أحد على انتحال شخصية رجل الأمن وارتداء الزي العسكري.

عموما هذه ليست هي الحالة مع الزي الطبي، فلقد أصبح هذا الزي في وقتنا الحالي هو زي أي مهنة لا زي لها، ومرتديه قد يشغل أي مهنة قد تخطر على البال! فتجده يُلبس من قبل الحلاقين، وبائعي أسواق الخضار والفواكه، وفي الصوالين النسائية، وبعض شركات العمالة المنزلية، بل وحتى أحيانا في محلات تغيير الزيوت والإطارات! بل إنه مع القرار الموفق جدا الذي صدر قبل عام تقريبا بمنع ارتداء ملابس العمل الصحية الرسمية في الأماكن العامة، فإن غالبية مرتدي الزي الطبي خارج أسوار المنشآت الصحية هم من غير المنتسبين للكادر الصحي.

الطب وفروعه من المهن التي يفخر ممتهنوها بالعمل فيها، وليس سرا أن المنخرطين في تلك المهن الصحية لم يصلوا إليها إلا بالتميز العلمي والاجتهاد في جميع مراحل الدراسة، والعمل الدؤوب الذي يوائم المسؤوليات العظمى المناطة بهم والمتعلقة بحياة الناس وصحتهم. وليس هناك تقليل إذا قلت إنه لا ينبغي أن يصبح زِيهم الذي يفخرون بارتدائه أثناء قيامهم بواجبتهم العظمى تجاه المجتمع زيًا مشاعا لعموم العاملين في كل المجالات، أسوة بجميع المهن الأخرى التي تتطلب أزياء مخصصة.

أختم بقصة، يخبرني أحد أصدقائي في القطاع الصحي أنه خرج ذات مرة من عمله عائدا لمنزله، وتذكر أنه بحاجة لقضاء بعض الضروريات من سوق الخضار قبل عودته إلى المنزل، وكان مترددا للنزول لأنه يرتدي زيه الطبي ويعتبر مخالفا، فلما دخل وجد جميع الباعة يرتدون الزي ذاته، وشعر بالارتياح فبادره أحد الباعة بقوله "الطيّب عندنا يا دكتور"، فما كان من صديقي إلا أن رد من فرط الانتماء "والله انت اللي دكتور!".

alghamdi2_a@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق