العلم والتفكير في العصر الرقمي.. نقاش فلسفي بمعرض الكتاب

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شهدت قاعة الصالون الثقافي في معرض الكتاب نقاشًا فلسفيًا عميقًا حول العلاقة بين المجتمع الرقمي والعلم والتفكير، في ندوة بعنوان "المجتمع الرقمي.. هل العلم يفكر؟"، التي أدارها الفيلسوف أشرف منصور، وشارك فيها الفيلسوف المغربي محمد الشيخ، والباحث المغربي المهدي مستقيم، والأديبة السعودية آمنة بوخمسين.


استهل محمد الشيخ حديثه بإعادة طرح مقولة الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر بأن "العلم لا يفكر". موضحًا أن العلم، بصفته أداة استكشاف، لا ينشغل بتأمل ماهية الأشياء، بل يركز على كشف القوانين الطبيعية وتطبيقها عمليًا دون النظر إلى تداعياتها الأخلاقية. هذه الفجوة بين الفلسفة والعلم، بحسب الشيخ، تجعل التكنولوجيا الحديثة مجالًا مفتوحًا للإمكانيات اللامحدودة، لكنها تثير أيضًا تساؤلات عن المستقبل، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح قادرًا على فك شفرات التواصل بين الحيوانات، وهو ما يعيد الجدل حول مكانة الإنسان وسط هذا التطور.
أشار الشيخ إلى أن كل تطور تكنولوجي يحمل في طياته إمكانيات للتحرر، لكنه قد يقود أيضًا إلى شكل من أشكال العبودية الجديدة، حيث تصبح التقنية نفسها قوة مسيطرة على الإنسان بدلًا من أن تكون أداة في خدمته.


التفكير العلمي في مقابل التفكير الفلسفي
من جانبه، أكد أشرف منصور أن هناك فارقًا جوهريًا بين اكتشاف الحقائق العلمية والتفكير العلمي. فالعلم الذي لا يفكر هو ذاك الذي يُطبق عمليًا دون أن يدوَّن في معادلات أو قوانين، مثلما حدث مع الحضارات القديمة التي تمكنت من تحقيق إنجازات هندسية ضخمة دون أن تترك لنا معادلاتها العلمية. لكنه شدد على أن مصيرنا أصبح أكثر ارتباطًا بالعلم الأداتي والحسابي، الذي يحكم التطور الرقمي المعاصر.


التقنية.. هل تحكم الفكر؟
أما المهدي مستقيم، فقد تناول مسألة التفكير في سياقها المعاصر، مشيرًا إلى أن المشكلة ليست في قدرة الإنسان على التفكير، بل في تحديد الشيء الجدير بالتفكير فيه. وأضاف أن التقنية أصبحت ماهية التفكير ذاته، إذ لم نعد نفكر خارج الإطار الذي تحدده لنا الأدوات الرقمية، وهو ما يعكس استلاب الفكر البشري أمام سرعة التطور التقني.


الفلسفة والأخلاق في عصر الذكاء الاصطناعي
اختتمت آمنة بوخمسين النقاش بطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول العلم في العصر الرقمي، مؤكدة أن العلم، إذا لم يخضع للتفكير الفلسفي، قد يتحول إلى أيديولوجيا صارمة تُستخدم لأغراض الهيمنة والصراع بدلًا من أن تكون أداة لخدمة الإنسانية. وأضافت أن الذكاء الاصطناعي بات يشكل تحديًا جوهريًا، إذ يهدد بإخراج العلم من يد الإنسان، ما يستدعي إعادة صياغة نظريات فلسفية أخلاقية تتناسب مع المستجدات التكنولوجية.


اتفق المشاركون على أن الواقع الرقمي بات معقدًا لدرجة تستلزم تفكيرًا مركبًا يتجاوز الرؤى التقليدية، فالعالم لم يعد ينقسم إلى نخبة وجمهور، بل إلى حقول معرفية متداخلة تحتاج إلى وعي فلسفي أعمق، يوازن بين التطور التقني والمسئولية الأخلاقية، لضمان ألا يصبح العلم مجرد أداة حسابية، بل وسيلة لفهم أعمق للحياة والإنسانية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق