الأمير الحسن مفكر عربي بعقل سياسي

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين الميلادي تعرفت على منتدى الشباب العربي، وعرفت أنه رديف لمنتدى الفكر العربي الذي أسسه ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية في حينه الأمير الحسن بن طلال، وأراد به ومن خلاله بناء وعي عربي جامع. كان ذلك ابتداء انكشافيا على شخصية المفكر في وعي الأمير الحسن علاوة على شخصية السياسي المحنك بحكم مركزه وطبيعة عمله؛ والحق أقول فيماثله في شغف المعرفة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي عُرف باطلاعه الواسع، ووعيه العميق، وهو ما شهد به البعيد قبل القريب؛ يجاريهما في ذلك بشكل أو بآخر الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية، الذي اشتهر بمجالسه العلمية ودروسه الحسنية في شهر رمضان المبارك.

في تلك الأثناء كان عالمنا العربي يموج بمختلف الأفكار والتوجهات التي تفلَّت بعضها وخرج عن مساره لينتج عنها واقع فكري وسياسي مشوه، وهو ما أرهق مجتمعنا العربي، وزاد من تشرذمه، وجعلنا فريسة سهلة في يد مراكز الأفكار الغربية التي وجهت المنطقة صوب ما تريده ويخدم مصالح حكوماتها، وليس نحو ما نريده نحن ويعزز من وحدتنا وتنميتنا الوطنية.

أعود إلى الأمير الحسن بن طلال الذي أجرى حوارا صحافيا معمقا مع محاوره من جريدة القبس الكويتية الدكتور صالح السعيد، وتم نشره في الـ25 من شهر يناير 2025م، وفيه وضع الأمير الحسن بن طلال يده على مفاصل أزمتنا العربية الإسلامية، مشخصا بمنهجية فكرية بواطن إشكالنا العربي الإسلامي، الذي هو في أمس الحاجة للانعتاق من المفاهيم الجيوسياسية الغربية أولا، والتي حددت كينونتنا ضمن إطار مفاهيمي جيوسياسي لا أساس له، وهو مفهوم الشرق الأوسط، الذي به ومن خلاله تم بناء كينونة ثقافية مصطنعة بهدف إقحام دولة إسرائيل في نظام جهوي مستحدث ليس له أي ارتباط بواقعنا الجغرافي، حيث امتد مفهوم الشرق الأوسط المستحدث مطلع القرن 20 من مصر غربا إلى إيران شرقا، ومن تركيا شمالا إلى اليمن وسلطنة عمان جنوبا، وبذلك يكون قد اقتطع مصر من شمال قارة أفريقيا، كما قضى على مفهوم دول غرب آسيا في مقابل دول شرق آسيا، ناهيك عن إلغائه المعنوي لحقيقة التكتل العربي والإسلامي الجامع؛ وهو ما نبه له الأمير الحسن في حواره المعمق، داعيا إلى تكثيف فهمنا للأعمدة الأربعة - وفق قوله - ويقصد بها المشرق العربي مضافا إليها إيران وتركيا والكرد بحسب تعبيره، والذي في حال تكثيف وعينا الاستراتيجي به، سيصنع حالة قوية من السلام تعزز ما نرجوه من هدوء واستقرار نوعي؛ وسيكون مؤدى ذلك في رأيه تأسيس مجلس اقتصادي اجتماعي، وهي الغاية التي بها يتحقق النمو الشامل. كما شدد الأمير الحسن في حواره على أهمية حالة التلاحم بين دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تمثل حائطا منيعا لحماية الاستقرار والأمن على الصعيد الخليجي والإقليمي بوجه عام.

أشير إلى أن الأمير الحسن بوعيه وعمق إدراكه يمثل قيمة معرفية عالية في ثقافتنا العربية، إذ يملك رؤية واضحة لبناء مشروع عربي بعمق إسلامي مرتكز على قواعد اقتصادية منبثقة من مدونة فقه المال الإسلامي، وهو ما ميز طرحه الفكري، وإن لم يجد الدعم الكلي على صعيد المؤسسات العربية الرسمية وغير الرسمية.

في هذا السياق فقد حاول الأمير الحسن تجسيد أفكاره من خلال منتدى الفكر العربي الذي تأسس في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، وأراد أن يكون جامعا لمختلف الأفكار والرؤى العربية، ومختبرا علميا يتداول الباحثون من خلاله آراءهم، بغية رسم خارطة سياسية واقتصادية وثقافية جامعة، تُخرج المجتمع العربي من متاهة الخارطة الغربية المفروضة عليهم منذ مطلع القرن العشرين.

أخيرا، ما أحوجنا اليوم إلى تكثيف الجهود العربية لبناء خارطة سياسية واقتصادية وأمنية بوعي ثقافي، وكم آمل أن يلتئم منتدى الفكر العربي برئاسة الأمير الحسن بن طلال، ومؤسسة الفكر العربي برئاسة الأمير خالد الفيصل، بمؤازرة المؤسسات البحثية المهتمة كمركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، ومركز الخليج للأبحاث، للخروج برؤية استراتيجية عربية شاملة، بعمق إسلامي واسع، يتم تبنيها من قبل كل الحكومات، وبخاصة أننا نواجه واقعا شديد البأس على مختلف الأصعدة.

هي دعوة أكررها، وآمل أن تتحقق، فهل إلى ذلك سبيل؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق