أحمد الجارالله
لا يمكن لأي اقتصاد أن يتطور في ظل تعقيدات بيروقراطية عفى عليها الزمن، وكذلك عدم وجود تخطيط سليم، لذا من أولى الخطوات الواجب اتباعها من مجلس الوزراء، خصوصاً كلاً من وزراء المالية والتجارة والبلدية، والمعنيين بالتخطيط، إدراك أن الفرصة سانحة لهم كي يبدأوا العمل على إنهاض مناطق عدة، يمكنها المساعدة على تطوير الاقتصاد الوطني.
لذا، نوجه حديثنا اليوم إلى أولئك الوزراء، ويا حبذا أن يقرأوا ويتمعّنوا، خصوصاً أن المنصب الوزاري بات مستقراً إلى حد كبير، على عكس ما كان يجري في السنوات الماضية، حين كانت الأفكار تُهدر، والخطط توضع جانباً جراء خوف الوزير على منصبه، وكأنه ينطبق عليه قول الشاعر: "عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الريحَ تَحتي"، فيما الضغط عليه من كل جانب.
اليوم، عسى أن تكون الرؤية الوزارية واضحة، لذا على الجميع في مجلس الوزراء عدم التلطّي خلف وسائل التواصل الاجتماعي، أكان في ما يشاع فيها عن سحب قسائم صناعية أو زراعية، لجس النبض، أو لزيادة القلق بين الصناعيين والتجار والمزارعين لحاجة في نفس قصير نظر، لأن ذلك يؤثر على الأداء، ويخفض الإنتاج، ما يعني الضرر، ولا أحد يتصور أن هناك من لديه العقل يمكنه القبول بتحكم بعض ناشطي تلك الوسائل بالقرارات الحكومية، خصوصاً من الحاسدين والحاقدين والبخلاء.
إذ على العكس، فإن هذه المناطق تمثل حركة تجارية من الواجب تشجيعها، ومنحها المزيد من الحوافز، وتعديل قانون حق الانتفاع ليكون متطوراً، ويساعد على الاستقرار.
لنأخذ منطقة الشويخ الصناعية، مثالاً، التي مضى على غالبية المؤسسات فيها ما يزيد على خمسين عاماً، وفيها حركة ناشطة، لذا من المهم أن تستقر أكثر، وأن تتحول سوقاً، لقربها من المناطق السكنية، كما هي الحال في المباركية وغيرها من الأسواق.
ولكي تتحول أكثر فائدة ومستقرة، يمكن تمليكها إلى المنتفعين بها، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالقسائم الصناعية الأخرى، وكذلك الزراعية، حتى يكون الهدف تأمين حوافز صناعية وزراعية تساعد على الاكتفاء الذاتي أولاً، وثانياً تؤمّن الاستقرار، وثالثاً تفيد في حركة التصدير بدلاً من الاستيراد الذي تعتمد عليه البلاد بنحو 90 في المئة.
من المعلوم أن قيمة الأرض في المنشأة المقامة عليها، وأيضاً ما تنتجه، لهذا عندما يتملك القائم على المؤسسة القسيمة، فإنه سيوجه كل جهده لتنميتها، أما إذا استمر رسم حق الانتفاع بالتزايد مع التهديد والوعيد، فإنه سيبحث عن نشاط آخر في مناطق بعيدة، وهو ما سيزيد التكلفة، ويعود سلبياً على المستهلك، ويؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم.
لا شك أن ذلك يحتاج إلى تطوير القوانين المتعلقة بهذا الأمر، على أن تخضع المناطق المستهدفة إلى تجميل وتخطيط ذكي، الكثير منها مهملة في الكويت، إما بسبب عدم وجود تشريعات متطورة، وإما جراء التعقيدات والمزاجية التي يتعامل بها من لديهم حق الضبطية القضائية، ما يؤدي أحياناً إلى إقفال المنشأة لمجرد مخالفة بسيطة، أو لعوامل في نفس محرر المخالفة.
في كل الدول التي ترغب في إنهاض اقتصادها تمنح الصناعيين والتجار الحوافز المتعددة، ولا تعمل بعقلية الحسد والحقد، أو تعرقل المشاريع، بل إنها تمنح الأرض، أحياناً، بالمجان لصاحب المشروع، وتعفيه من الرسوم لبضع سنوات، أو تبيعها له بثمن معقول، وبعد سنوات محددة تفرض عليه ضرائب على صافي الأرباح، وبعضها تنظم عملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
للأسف، إن هذا ليس موجوداً في الكويت، لأن التداخل في السلطات سابقاً بين الحكومات المتعاقبة ومجالس الأمة، ولغة الابتزاز السياسي التي كانت سائدة، جعلت الاقتصاد الوطني يعاني من مشكلات أصبحت مع الزمن بنيوية، ولا يمكن الخروج منها إلا بالعمل من خارج الصندوق.
أما عندنا، ففي كل يوم نسمع عن قرار جديد يزيد من مشكلات القطاع الخاص، ويضيق على أصحاب المشاريع، خصوصاً حق الانتفاع الذي أصبح عالة المستثمرين، إذ لا يمكن لأي مشروع أن يستقر وهناك سيف مصلت على رقبة المستثمر، وهو التجديد السنوي للعقد، أو كل سنتين، فبأي وضع سيعمل هؤلاء؟
أسهل الأمور أن تخلق عدوك بنفسك، لكن من الصعب التخلص منه، وعلى الوزراء المعنيين أن يكونوا على قدر من المسؤولية كي يحققوا رؤية العهد، من خلال عدم صناعة أعداء، بل أن يكسبوا الجميع، وهذا ليس صعباً.
أخيراً، دعوهم يعملون، ومن ثم افرضوا ضرائب، فلا نريد أن يعيش هؤلاء في المنّ والأذى، لذا من واجب الحكومة أن تعي أن الازدهار وانشغال الناس بالعمل هو الحافز على الاستقرار الأمني، وتلاحم الناس بعضهم بعضاً.
0 تعليق