رسمت مجموعة من المؤشرات الاقتصادية صورة إيجابية لأوضاع القطاع غير النفطي في الكويت خلال الربع الرابع من عام 2024. وأظهر مقياس نشاط مؤشر مديري المشتريات توسعاً ملحوظاً لأنشطة الشركات، في حين سجلت سوق المشاريع ومبيعات العقارات أعلى مستوياتها في سنوات عدة. كما أنهى الائتمان المصرفي عام 2024 بنمو قوي، مسجلاً زيادة ملحوظة مقارنة بالعام السابق، إلا أن بيانات معاملات البطاقات المصرفية كشفت عن تراجع الإنفاق الاستهلاكي، إذ بلغ أدنى مستوياته في الربع الثالث من عام 2024 رغم المحفّزات الناتجة عن استضافة الكويت لبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في ديسمبر. ورغم هذه التحديات، إلا أن تحسن المؤشرات الاقتصادية على نطاق واسع رسم صورة أكثر إيجابية بما يتناقض مع البيانات الأولية التي أظهرت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي قد تحوّل للانكماش في الربع الثالث من عام 2024.
وعلى صعيد السياسات، شهدت جهود الإصلاح الحكومي زخماً متسارعاً، في ظل دراسة أكثر من 30 مسودة قانون، تشمل قضايا حيوية مثل إدارة السيولة، وتمويل الرهن العقاري، وعمليات الخصخصة. كما تمضي الحكومة قدماً في تنفيذ عدد من الإصلاحات المالية الجوهرية، من أبرزها تطبيق ضريبة على الشركات متعددة الجنسيات اعتباراً من يناير 2025، إلى جانب التوجه نحو زيادة رسوم الخدمات الحكومية. وتعد هذه الخطوات أولى التدابير الرئيسية لزيادة الإيرادات التي يتم تطبيقها منذ سنوات.
انكماش الناتج المحلي غير النفطي بشكل غير متوقع في الربع الثالث من 2024
كشفت البيانات الرسمية الأولية عن انخفاض الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 2.5% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2024 مقارنة بمعدل نمو معدّل بلغت نسبته 2.5% (4.2% سابقاً) في الربع السابق (الرسم البياني 1). ويعزى هذا التراجع لانخفاض واسع النطاق في النشاط غير النفطي، هذا إلى جانب تسجيل قطاع التصنيع انخفاضاً ملحوظاً (-10.8%).
وفي المقابل، استمر معدل نمو القطاع النفطي في اتجاهه السلبي للربع السادس على التوالي، بتراجعه بنسبة -5.3% على أساس سنوي، نتيجة تمديد التخفيضات الطوعية لحصص إنتاج الأوبك وحلفائها خلال الربع الثالث من عام 2024. ونتيجة لهذه التطورات، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9% في الربع الثالث.
وجاءت البيانات الرسمية مصحوبة بمراجعات كبيرة للبيانات التاريخية، إذ أظهرت أن الاقتصاد غير النفطي في الكويت قد تمكّن من تفادي الركود خلال عامي 2022 و2023، وذلك رغم خفض معدلات النمو لعام 2021. وشهدت قطاعات غير نفطية رئيسية، مثل «الإدارة العامة والدفاع»، و«الكهرباء والغاز والمياه»، وقطاع الإنشاءات، مراجعات إيجابية دفعت النمو غير النفطي إلى 1.6% في عام 2022 (بدلاً من -0.1% وفقاً للبيانات السابقة)، وإلى 1% (بعدما كان مقدراً بنحو -2.9%) في عام 2023.
مؤشر مديري المشتريات يشير لنمو النشاط غير النفطي بوتيرة قوية في الربع الرابع من عام 2024
أظهرت أحدث قراءة لمؤشر مديري المشتريات تحسناً ملحوظاً في نشاط القطاع الخاص غير النفطي. وارتفع متوسط قراءة المؤشر إلى 54.2 نقطة في الربع الرابع من عام 2024، مسجلاً زيادة ملحوظة مقارنة بقراءة الربع السابق البالغة 50.5 نقطة (الرسم البياني 2). وكان النشاط غير النفطي قوياً طوال هذا الربع، إذ سجلت قراءة الفئات الفرعية كالإنتاج والطلبات الجديدة وطلبيات التصدير الجديدة أعلى المتوسطات على الإطلاق. وفي المقابل، بقي نمو التوظيف مستقراً، في حين شهدت تكاليف التوظيف زيادة هامشية على أساس ربع سنوي، دون أن تقوم الشركات بتحميل هذه الزيادات على المستهلكين. وبقيت معنويات تفاؤل أنشطة الأعمال قوية تجاه التوقعات الاقتصادية على المدى القريب.
ارتفاع أسعار النفط في الربع الرابع على خلفية تمديد الأوبك لتخفيضات الإنتاج
أنهى خام التصدير الكويتي تداولات الربع الرابع من عام 2024 مرتفعاً بنسبة 2% على أساس ربع سنوي، ليصل إلى 75.8 دولار للبرميل، مستفيداً من القرار الذي أصدرته الأوبك في ديسمبر بتمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية حتى نهاية مارس 2025، مع استئناف الإمدادات بوتيرة أبطأ بعد ذلك. وعلى الرغم من الدعم الذي وفرته تمديدات الأوبك المتكررة، إلا أن تأثيرها الصعودي لم يكن كافياً لتعويض التراجع الناتج عن ضعف نمو الطلب الصيني على النفط وزيادة الإمدادات من الدول غير الأعضاء في الأوبك. وفي هذا السياق، سجل إنتاج الكويت من النفط الخام في عام 2024 أدنى مستوياته منذ عام 2010، إذ بلغ 2.411 مليون برميل يومياً مدفوعاً بتخفيضات الإنتاج التي أقرتها الأوبك وحلفاؤها، إلا أن الإنتاج قد يشهد ارتفاعاً تدريجياً ابتداءً من أبريل 2025، بمعدل شهري يصل إلى 7 آلاف برميل يومياً (بزيادة إجمالية قدرها 63 ألف برميل يومياً بنهاية العام).
الحكومة تكثّف وتيرة الإصلاحات المالية
في نهاية عام 2024 ومع استقبال العام الجديد، تصاعدت إشارات الحكومة في شأن التزامها بتعزيز الإيرادات وتحسين إدارة النفقات والسيولة العامة. وشملت التدابير المقررة زيادة غرامات المخالفات المرورية ورسوم بعض الخدمات الحكومية، إلى جانب تطبيق ضريبة جديدة على إيرادات الشركات بما يتسق مع مشروع مكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح الذي أطلقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ دخلت هذه الضريبة حيز التنفيذ بدءاً من يناير 2025 بعد نشر قانونها في الجريدة الرسمية. وينص القانون على فرض ضريبة إضافية بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات، الأجنبية والمحلية، التي تحقق أرباحاً سنوية قدرها 750 مليون يورو أو أكثر. ومن المتوقع أن تصدر لوائح تفصيلية في يونيو المقبل، فيما قدرت وزارة المالية أن هذه الضريبة ستضيف 250 مليون دينار إلى إيرادات الخزانة العامة، وهو ما يتجاوز بكثير الإيرادات الضريبية الحالية البالغة 160 مليون دينار (وفقاً لميزانية السنة المالية 2024/2025). ومن جهة أخرى، تتم حالياً مناقشة عدد من المبادرات التشريعية، من بينها قانوني ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، بما يتماشى مع الإطار الضريبي الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب قانون الخصخصة المعدّل وتنمية المنطقة الاقتصادية الشمالية. كما تشمل القوانين الأخرى التي بلغت مراحل متقدمة قانون الدَّين العام وقانون تنظيم السحب من صندوق الأجيال القادمة.
استمرار تباطؤ نمو الإنفاق الاستهلاكي
استمر تباطؤ نشاط الإنفاق الاستهلاكي في الكويت خلال الربع الرابع من عام 2024، وفقاً لبيانات معاملات البطاقات المصرفية التي أصدرها بنك الكويت المركزي. وشهد الإنفاق عبر البطاقات المصرفية (وفقاً للقيمة) انخفاضاً ملحوظاً في معدل النمو الذي وصل إلى 0.8% فقط على أساس سنوي (11.0 مليار دينار)، والذي يعد أدنى مستوياته المسجلة خلال الفترة التي أعقبت الجائحة، مقابل 4.6% في الربع الثالث
وخلافاً للمعايير الموسمية المعتادة، تراجع الإنفاق في الربع الرابع من عام 2024 مقارنة بالربع الثالث (بنسبة -0.6% على أساس ربع سنوي)، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عام 2015، إلا أن التوقعات تشير إلى أن تباطؤ نمو الإنفاق قد بلغ مداه، إذ من المتوقع أن يشهد عام 2025 استقراراً أو ارتفاعاً طفيفاً. ويعزى ذلك لتحسن آفاق النمو، واستمرار استقرار سوق العمل، واعتدال معدلات التضخم، فضلاً عن احتمال تراجع أسعار الفائدة.
ارتفاع مبيعات العقارات في الربع الرابع لأعلى مستوياتها المسجلة في عامين ونصف العام
سجلت المبيعات العقارية في الربع الرابع من عام 2024 أعلى مستوياتها منذ الربع الثاني من عام 2022، إذ بلغت 1.082 مليار دينار (مرتفعة بنسبة 28% على أساس ربع سنوي وبنسبة 40% على أساس سنوي)، ما يعكس تسارع تعافي السوق من حالة الضعف التي شهدها في عام 2023.
وشمل التحسن كافة القطاعات العقارية بصدارة القطاع الاستثماري (الذي سجل نمواً بنسبة 36% على أساس ربع سنوي)، يليه القطاع التجاري (بنسبة 32%)، ثم القطاع السكني (بنسبة 19%). وبلغ إجمالي قيمة المبيعات العقارية 3.5 مليار دينار في عام 2024، مسجلة نمواً بنسبة 23% مقارنة بعام 2023، إلا أنها ما تزال دون المستويات المسجلة في عامي 2021-2022.
من جهة أخرى، سجلت أسعار العقارات في الربع الرابع من عام 2024 (باستثناء القطاع التجاري) ارتفاعاً بنسبة 3.8% على أساس ربع سنوي، وفقاً لمؤشر أسعار العقارات الخاص ببنك الكويت الوطني، لتصل بذلك لأعلى مستوياتها منذ الربع الثالث من عام 2022. ويعزى هذا النمو إلى التحسن الملحوظ الذي شهدته أسعار القطاع الاستثماري، على الرغم من التقلبات التي مر بها القطاع على مدار العام الماضي. ورغم ارتفاع أسعار القطاع السكني في الربع الرابع بنسبة 1.2% على أساس ربع سنوي، إلا أنها ما زالت منخفضة بشكل ملحوظ على أساس سنوي. أما بالنسبة لتوقعات عام 2025، فتشير إلى أن النشاط العقاري سيشهد المزيد من التحسن، مدفوعاً بعدد من المؤشرات الحديثة التي تدل على تزايد الزخم، فضلاً عن دعم الاتجاهات العامة للاقتصاد غير النفطي، واحتمال انخفاض أسعار الفائدة، إلى جانب إمكانية إقرار الحكومة لقانون الرهن العقاري.
تسارع وتيرة نشاط سوق المشاريع في الربع الرابع وتسجيله أداءً متميزاً
شهد إسناد المشاريع في الربع الرابع من عام 2024 قفزة ملحوظة، إذ بلغت القيمة الإجمالية للمشاريع المسندة 1.2 مليار دينار، مسجلة أفضل أداء ربع سنوي منذ الربع الثاني من عام 2016 (الرسم البياني 6). واستحوذ قطاع الإنشاءات على نصف إجمالي قيمة المشروعات المسندة، في ظل إنجاز المؤسسة العامة للرعاية السكنية لعدد من المشاريع، أبرزها مشروع المساكن المنخفضة التكاليف في منطقة النعايم، كما حصل قطاع الكهرباء والماء على 370 مليون دينار من العقود المسندة. من جهة أخرى، ساهم مشروع شركة نفط الكويت لحفر 141 بئراً في تعزيز قيمة المشروعات المسندة في قطاع النفط والغاز. وخلال عام 2024، تم إسناد مشاريع بقيمة 2.7 مليار دينار، بزيادة قدرها 44% مقارنة بعام 2023، لتسجل بذلك قيمة المشاريع المسندة أعلى مستوياتها منذ عام 2017. وساهم في تعزيز هذا النشاط عدد من القطاعات من ضمنها الكهرباء والماء والإنشاءات، في ظل متابعة الحكومة خطتها لتوفير الرعاية السكنية وتطوير شبكة الكهرباء المحلية.
وما تزال الآفاق المستقبلية إيجابية على المدى القريب، خاصة في ظل التوقعات التي تشير لتوجيه الحكومة أجندتها الاقتصادية المقبلة نحو تسريع وتيرة تنفيذ أهداف تطوير البنية التحتية وفقاً لرؤية 2035. وحسب توقعات «MEED»، من المنتظر أن يتم طرح مشاريع بقيمة 7.8 مليار دينار في عام 2025، 60% منها في مجالات الكهرباء والمياه، في حين تبدو آفاق المرحلتين 2 و3 من مشروع محطة الزور الشمالية، الذي تبلغ قيمته 1.2 مليار دينار، أكثر إشراقاً مع دخول المشروع مرحلة تقييم العطاءات. وفي الوقت ذاته، من المرجح أن يتحسن نشاط قطاع النفط والغاز، في ظل توقع ترسية مناقصة مشروع المطلاع التابع لشركة البترول الوطنية الكويتية، الذي تبلغ قيمته 225 مليون دينار، في الربع الأول من عام 2025، في الوقت الذي تسعى فيه شركة نفط الكويت لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 3.2 مليون برميل يومياً.
تباطؤ وتيرة التضخم في عام 2024 إلى أدنى مستوياته منذ عدة سنوات
ارتفع تضخم أسعار المستهلكين هامشياً في ديسمبر الماضي، ليصل إلى 2.5% على أساس سنوي (+0.4% على أساس شهري)، مقابل 2.4% في الشهر السابق، مدفوعاً بزيادة في أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن على وجه الخصوص (الرسم البياني 7). في المقابل، تراجع معدل التضخم الأساسي لأدنى مستوياته منذ أكثر من عامين، مسجلاً 2.6%.
ومع ذلك، اتسم الاتجاه العام في عام 2024، كما في عام 2023، بالتباطؤ، إذ انخفض معدل التضخم الكلي إلى 2.9% في المتوسط مقابل 3.6% العام السابق. ومن المتوقع تراجع متوسط التضخم خلال عام 2025، على خلفية انخفاض التضخم المستورد، وغياب السياسات المالية التحفيزية، واستمرار السياسات النقدية المتشددة.
تحسن نمو ائتمان قطاع الأعمال والائتمان الشخصي
سجل نمو الائتمان المحلي ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2024، ليصل إلى 3.7%، متجاوزاً بأكثر من الضعف معدل النمو المسجل في عام 2023 والبالغ 1.7% (الرسم البياني 8). وجاء انتعاش ائتمان قطاع الأعمال في عام 2024 أقوى من الائتمان الشخصي، إذ ارتفع إلى 4% مقابل 0.8% في عام 2023. واستمر تصدر نمو قطاعي الإنشاءات والتجارة القطاعات الأخرى بنمو بلغت نسبته 7.9% و7.3%، على التوالي، مما يعكس استمرار الاتجاهات نفسها المسجلة في عامي 2022 و2023. وفي الوقت ذاته، شهد الائتمان الشخصي انتعاشاً، إذ ارتفع معدل النمو السنوي إلى 3% (مقابل 1.5% في العام السابق)، فضلاً عن تسجيل معدل نمو أقوى خلال الأشهر الستة الأخيرة بنسبة 4.2%. وبالنظر للتوقعات المستقبلية، يتوقع أن يشهد نمو الائتمان تحسناً هامشياً في عام 2025، مدعوماً بالارتفاع المستمر في إسناد المشاريع ومستفيداً من أي انخفاض تدريجي محتمل لأسعار الفائدة.
من جهة أخرى، أنهت ودائع المقيمين عام 2024 بنمو بلغت نسبته 3.6%، أي بمعدل قريب من النمو المسجل في عام 2023 والبالغ 3.9%. وشهدت ودائع القطاع الخاص نمواً ملحوظاً، إذ ارتفعت بنسبة 4.5% في عام 2024 مقابل 1.1% في العام 2023، بينما تباطأت وتيرة نمو الودائع الحكومية بوتيرة حادة، لتسجل زيادة بنسبة 5.7% فقط في عام 2024، بعد قفزة كبيرة بلغت 37% خلال عام 2023. وبالنسبة لودائع القطاع الخاص بالدينار الكويتي، تراجعت الودائع تحت الطلب وودائع الادخار هامشياً بنسبة 1.1%، بينما ارتفعت الودائع لأجل بنسبة 8.5%، إلا أنه على الرغم من ذلك، كانت الفجوة بين هذه النسب أضيق بشكل ملحوظ مقارنة بما شهدته في عام 2023.
0 تعليق