ثلاث نقاط يجب الحديث عنها قبل مناقشة ما يدعو للقلق الحقيقي من تصريحات «ترامب» بتطهير غزة وتهجير أهلها إلى الأردن ومصر:
الأولى : أن الموقف المصري واضح رافض للتهجير، قولاً واحداً لا يحتاج إلي شرح أو تفسير، غير قابل للمناقشة أو الدراسة .
الثانية : أن خطة التهجير القسري للفلسطينيين خطة قديمة ، حاول الآباء المؤسسون للصهيونية تنفيذها عن طريق امتلاك الأراضي العربية وطرد أصحابها وإقامة المستوطنات ومن ثم إقامة دولة ذات أغلبية يهودية ، وكانت البداية بترويج الشعار الكاذب : « بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض » ! ، وظلت فكرة الترحيل والتهجير وطرد الفلسطينيين إلى دول عربية مجاورة قائمة كحل جذري لإنهاء الصراع العربي الصهيوني ، عن طريق القتل وارتكاب المجازر وحرق القرى وترويع الأهالي ؛ إذن نحن أمام فكرة ليست من بنات أفكار «ترامب» ولا من بنات خالته !
الثالثة : أن الموقف الأمريكي الداعم للكيان المحتل بلا حدود علي حساب العرب جذري وثابت ولم ولن يتغير ، فمثلاً يقول الرئيس «السابع والثلاثين» للولايات المتحدة ريتشارد نيكسون في كتابه «نصر بلا حرب » : « إن التزامنا ببقاء إسرائيل إلتزام عميق ، فنحن لسنا حلفاء رسميين ، وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أى قصاصة ورق : إنه التزام معنوى ، إنه التزام لم يخل به أى رئيس في الماضي أبداً ، وسيفى به كل رئيس فى المستقبل بإخلاص ، إن أمريكا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق هدفهم في تدميرها» .
هذا الموقف الأبدي الداعم للكيان المحتل أكده الرئيس السابق «جوبايدن» في حملة لجمع التبرعات عام 2023 ، ووصف نفسه بأنه صهيوني وأن هذه حقيقة لا يعتذر عنها ، مؤكداً أنه كان مؤيدا قويا جداً لإسرائيل منذ دخوله مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1973 .
ثم جاء «دونالد ترامب» الرئيس «السابع والأربعون» للولايات المتحدة ، ليوقع بشكل مختلف على صحيفة التأكيدات السابقة ، وقال أثناء حصوله علي الميدالية الذهبية « لثيودور هرتزل» في حفل الذكرى السنوية الـ 125 للمنظمة الصهيونية في نيويورك نوفمبر 2022 : « إن إسرائيل معجزة في العصر الحديث ، وعلاقتها بالولايات المتحدة عميقة الجذور متعددة الأبعاد ، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا مجرد حليفين على أساس عسكري ، ولكن اقتصاديًا وسياسيًا، نحن حلفاء أخلاقياً وثقافياً وروحياً » .
الذي يدعو للقلق في تصريحات «ترامب» الأخيرة ، ليس فكرة التهجير في حد ذاتها ، ولا الدعم الأمريكي للكيان المحتل ، بل التحول في تلك السياسات الأمريكية في عهد «ترامب» من دور الوسيط ـ وإن كان أعور ـ إلي الدخول كطرف مباشر في هذا الصراع ، وتبني الأفكار الصهيونية المتشددة ومحاولة تنفيذها علي أرض الواقع دون النظر إلي عواقب أو نتائج تلك السياسات «الغشيمة» .
الذي يدعو للقلق ، أننا أمام رجل لا يعترف بالقانون الدولي ولا يحترم سيادة الدول ، وليس لديه مانع من إشعال الحجيم في العالم وليس في الشرق الأوسط فقط ؛ لتنفيذ احدى صفقاته المشبوهة ، بتلك «البجاحة» التي تريد رسم غزة كما تراه الأحلام التوراتية المتطرفة ، هذا الرجل بتلك التصريحات شريك في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حق أهل غزة من التهجير القسري والتطهير العرقي .
الخلاصة : أن ما يفعله «ترامب» هو الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية دون تجميل أو تزييف ، ودون وضع محسنات طعم أو إضافة رتوش دبلوماسية ، الفارق الوحيد بين «ترامب» ومن سبقوه هي «البجاحة» والغطرسة وفرض إرادة القوة ، ومن ينتظر من هذا «الفوضوي» غير ذلك فعليه إعادة التفكير مرة أخرى .
في النهاية : يجب أن يعلم «ترامب» ومن معه أننا لسنا لقمة سائغة يمكن مضغها ثم بلعها دون أن يدفع الثمن ، وأنه كما يملك أوراق ضغط لتنفيذ مخططاته ، فلدينا أدوات لوقف تلك المخططات و إفشالها .
حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء .
0 تعليق