قصص إسلامية
مظفر الدين كوكبوري الحاكم العادل، أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي بن بكتكين بن محمد التركماني ولد في أربيل في 27 محرم (549هـ- 1153م)، ونشأ في أسرة تتكون من أبيه زين الدين علي كجك بن بكتكين بن محمد وأخيه الأصغر زين الدين يوسف.
ولفرط جرأته وإقدامه في القتال، لكونه محارباً ممتازاً ومقاتلاً بطلاً وشجاعاً لقب بـ"كوكبوري" أي "الذئب الأزرق".
نشأ مظفر الدين نشأة دينية أهلته أن يكون حاكماً صالحاً، كما أثرت على حياته الخاصة، فكان بعيدا كل البعد عن مظاهر الإمارة، والملك، بل إن معيشته كانت اقرب إلى معيشة الزهاد والمتصوفين، واهتم بالعلماء والفقهاء والمحدثين واهتم بالعلوم الدينية كالفقه والحديث.
تولى مظفر الدين إمارة اربيل بعد وفاة والده مباشرة سنة (563هـ- 1167م)، و"إربيل" قلعة حصينة ومدينة كبيرة من أعمال مدينة الموصل، لكنه كان قاصراً عن إدارة شؤون الحكم والإدارة بنفسه لصغر سنِّه، فعمل نائب الإمارة مجاهد الدين قايماز بتدبير شؤون الدولة، وإدارة أمور الحكم.
ولما اشتد عود مظفر الدين نشب خلاف بينه وبين الوصي، انتهى بخلع مظفر الدين، وإقامة أخيه زين الدين يوسف خلفاً له.
فاتجه مظفر الدين نحو الموصل لعله يجد من حاكمها سيف الدين غازي بن مودود، معاونة تمكّنه من استرداد إمارته، لكن سيف الدين لم يحقق رغبته، وعوّضه عن إربيل بأن أدخله في حاشيته، وأقطعه مدينة حران، فانتقل إليها المظفر، وأقام بها تابعاً لسلطان الموصل، وظل يحكم حران منذ سنة 569هـ حتى سنة 578 هجرية.
انفصل مظفر الدين عن الموصل ودخل في طاعة السلطان صلاح الدين الأيوبي وحكمه، ومن ثَم انفتح له مجال الجهاد ضد الصليبيين، وأصبح من المقاتلين مع صلاح الدين الذي أعجب به وبشجاعته، وثباته معه في ميادين الجهاد، وتحول الإعجاب إلى توثيق للصلة بين الرجلين، فأقدم صلاح الدين على إعطائه ٱمارة مدينة الرها إضافة لحران، وتزويج أخته ربيعة خاتون له، وأنجب منها ابنتين، ولم ينجب ذكوراً.
وشارك مظفر الدين في معظم الحروب التي خاضها صلاح الدين بدءاً من فتح حصن الكرك، كما تولى قيادة جيوش الموصل والجزيرة في معركة حطين، ويذكر أنه الذي أوحى بفكرة إحراق الحشائش التي كانت تحيط بأرض المعركة حين وجد الريح في مواجهة الصليبيين، كما يذكر التاريخ نجاح خطته ووضوح أثرها في هزيمة الجيش الصليبي، إذ حملت الريحُ الدخانَ واللهب والحرارة إلى وجوه الصليبيين، فشلَّتْ حركتهم عن القتال، وحلت بهم الهزيمة المنكرة.
أصدر صلاح الدين الأيوبي منشوراً على تولية مظفر الدين لولاية اربيل وما يتبعها من البلاد، وأذاع المنشور في كل البلاد الإسلامية.
عندما توفي القائد صلاح الدين الأيوبي، انتهز كوكبوري فرصة النزاع الأسري الأيوبي، فاستقل بمدينة اربيل وحولها إمارة، واتخذ لنفسه لقب الملك المعظم.
وفعلاً كان ملكاً عادلاً شجاعاً لا يقل روعة وبهاء عن دوره في ميادين القتال والجهاد؛ فهو رجل دولة وإدارة يُعنى بشؤون إمارته.
كان محبا لفعل الخير والتصدق على الفقراء وكثير الصدقات، غزير البر والصلات، رقيق الشعور مرهف الحس.
يقول عنه ابن واصل: "كان مظفر الدين ملكاً جليلا شجاعاً مقداماً، ذا همة عالية وبأس شديد. وكان من أكثر الملوك تديناً وأجودهم وأكثرهم براً، وكان عالـماً تقياً شجاعاً".
وهو من أوائل الحكام الذين ارسوا نظام الرعاية الاجتماعية، وأنشأ للزَّمْنَى - وهم المرضى بالجذام- داراً يقيمون فيها.
ورأى المظفر أنه مسؤول عن الأسرى الذين يقعون في أيدي الصليبيين؛ فلم يتوانَ في شراء حريتهم، فكان يرسل نوّابه إلى الصليبيين لفداء الأسرى، وقد أُحصي الأسرى الذين خلصهم من الأسر مدة حكمه، فبلغوا ستين ألفاً ما بين رجل وامرأة.
حكم مظفر الدين مدينة إربيل نصف قرن من الزمان حتى قارب عمره الثمانين عاماً، ثم وافاه الأجل في يوم الأربعاء في الرابع عشر من رمضان عام (630 هـ- 1232م) في إربيل.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
0 تعليق