السبت 08/فبراير/2025 - 07:02 م 2/8/2025 7:02:37 PM
استمتعت بزيارتى إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث تم عرض روايتى تعالى معى من القدس. كنت سعيدًا لرؤية الكثيرين من القراء الشباب واهتمامهم بالكتب، وخاصة الروايات.
والروايات، كما تشير الباحثة الأدبية آنى شولتز (Annie Schultz)، تُعتبر أداة فعالة لتطوير مهارات التفكير النقدى، حيث تحفِّز القارئ على مواجهة القضايا الاجتماعية المعقدة وتشجعه على الانغماس فى التجارب الإنسانية المتنوعة.
والدراسات العلمية التى أجراها الكندى كيث اوتلى (Keith Oatley) تؤكد هذا الدور، حيث أظهرت الأبحاث أن الأدب يعزز قدرة الدماغ على معالجة الحياة الاجتماعية، عبر تنشيط المناطق العصبية التى نستخدمها فى تفاعلنا مع العالم الواقعى. الأدب إذًا هو التمرين العقلى الذى يقوى العضلات الفكرية، فيصبح الفرد أكثر استعدادًا لفهم أفكار الآخرين والتفاعل معها.
وعلى الصعيد العالمى، نجد فى الأدب أعمالًا تزيد الوعى الجماعى للقراء. رواية 1984 لجورج أورويل، على سبيل المثال، تلقى الضوء على الظلام الذى تفرضه الأنظمة الشمولية على حرية الأفراد، بينما الأخوة كارامازوف لدوستويفسكى تعرض صراعات النفس البشرية فى سعيها وراء الحقيقة. وفى كوخ العم توم لهارييت بيشر ستو، نجد إشراقة وعى جديدة فى مواجهة قضايا العرق والظلم الاجتماعى. أما الجريمة والعقاب فتغوص فى أعماق النفس البشرية، حيث تتصارع المشاعر بين الذنب والتوبة، فى عكس دقيق لتعقيدات الروح.
أما فى الأدب العربى، فقد كان للروائيين الكبار مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، والطيب صالح دورٌ بارز فى فتح أبواب جديدة للوعى الثقافى. قدمت روايات محفوظ مثل الحرافيش وزقاق المدق صورة حية من مجتمع مصر، حيث يكشف فيها عن صراعات الطبقات الفقيرة وهمومهم اليومية.
وفى ذات السياق، أثَّر يوسف إدريس فى المجتمع من خلال رواياته مثل العيب، التى طرحت أسئلة جريئة حول الأخلاقيات الاجتماعية، داعيًا القراء إلى النظر فى تصوراتهم التقليدية عن الشرف والكرامة. كما أن موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح كانت أشبه بسفينة تبحر بالقارئ بين شواطئ ثقافات الشرق والغرب، مُحفّزة إياه على التفكير فى الهوية الثقافية فى مواجهة الضغوط العالمية.
تتمثل المفارقة التى يقدمها الأدب الخيالى فى قدرته على تقديم «الحرية مع المسئولية»، كما تصفها الكاتبة أرونداتى روى ( (Arundhati Roy فى كتابها Azadi: Freedom. Fascism Fiction, (آزادي: الحرية. الفاشية. الخيال) إذ ترى أن الرواية تمنح القارئ الفرصة لفهم الحاضر والتخيل لمستقبل بعيد عن الصراعات، حيث تكمن الحرية فى المسئولية، وهذه الرؤية لا تقتصر على التفكير فى الحاضر بل تمتد لتشكل المستقبل.
الأدب الروائى، بذلك، ليس مجرد رحلة عاطفية أو هروب إلى عالم خيالى، بل هو مرشد حقيقى يعزز وعينا ويمنحنا الأدوات اللازمة لبناء مجتمع أكثر إنسانية وأغنى وعيًا.
0 تعليق