وقف الأعمال العدائية المرتقب بين إسرائيل ولبنان: هدنة هشة و«حزب الله» منهمك بإصلاحاته الداخلية

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بدأ العدّ العكسي لانتهاء «الوقت الإضافي» قبل الوصول إلى وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان (كان مقرَّراً في 26 يناير) بعدما تم تمديدُ الهدنة حتى 18 الجاري «من جانب واحد» هو تل أبيب.

ويعكس هذا التمديد التعقيدات والتقلبات المحيطة بالصراع، حيث يتنقل الطرفان في هدنة هشة. وفي الوقت نفسه، ينخرط حزب الله في مراجعة داخلية مكثفة في أعقاب خرق استخباراتي مدمّر أدى إلى اغتيال كبار قادته وتدمير ما يقرب من 60 في المئة من قدراته العسكرية.

6 فبراير 2025

4 فبراير 2025

ووفق مصادر مطلعة على الأمر، يعمل «حزب الله» بنشاطٍ على إعادة هيكلة أنظمة الأمن والاتصالات الخاصة به لمنع الخروق المستقبلية، مع التركيز على مبدأ يؤكد على التقسيم الشديد واللامركزية الكاملة على جميع مستويات القيادة.

الإصلاح الداخلي وإعادة التموضع الإستراتيجي لـ«حزب الله» دَفَعَ الفشلُ الاستخباراتي الذي أدى لخسائر كبيرة لـ «حزب الله» إلى إعادة تقييم عاجلة لإجراءاته التشغيلية. وتحقق العديد من اللجان المتخصصة داخل الحزب في كيفية تَمَكُّن الاستخبارات الإسرائيلية من خرق شبكته بعمق.

ورداً على ذلك، يعطي «حزب الله» الأولوية لتقسيم المعلومات، وضمان أن تظلّ التفاصيل الحساسة حتى داخل المنظمة مجزأةً ولا يمكن الوصول إليها إلا لقلةٍ مختارة. ويهدف هذا النهج إلى التخفيف من خطر التسلل وتقليل الأضرار في حالة حدوث خروق أمنية في المستقبل.

وعلاوة على ذلك، يعيد الحزب تنظيم أنظمة الاتصالات الخاصة به لتعزيز الأمن ومنع الاستخبارات الإسرائيلية من اعتراض المعلومات الحرجة. وتنفذ المجموعة تدابير صارمة لمنع المزيد من الخروق، مدركة أن فشلاً استخباراتياً آخَر قد تكون له عواقب كارثية على بقائها وصدقيتها.

كما يعتقد «حزب الله» أن جنازة السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين المقررة في الثالث والعشرين من هذا الشهر ستكون بمثابة وداع للزعيم الكاريزماتي وإظهارٍ جليّ للقوة والتضامن بين المجتمع الشيعي. ويهدف هذا العرض العام للدعم إلى توجيه رسالة واضحة إلى الأميركيين والإسرائيليين، وكذلك إلى الجمهور المحلي، بأن الحزب لا يزال صامداً ويحتفظ بدعم السكان المحليين.

ومن المتوقع أن تكون الجنازة بمثابة رد على المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي دعت، متحدثة من القصر الرئاسي اللبناني، إلى استبعاد «حزب الله» من الحكومة اللبنانية على أساس هزيمته. وقد استفزّ هذا البيان قاعدة الحزب. وبدل إضعاف مكانة المجموعة، فقد أتى بنتائج عكسية، ما عزز التضامن بين المجتمع الشيعي، الذي يشعر الآن بالتهديد والتقويض.

الديناميات الإقليمية ودور سوريا

يتحوّل المشهد في سوريا أيضاً ضد مصالح «حزب الله». حيث يؤكد النظام الناشئ حديثاً والمعادي لـ «حزب الله» سلطته من خلال المطالبة بأن يعتمد الحزب على الأسلحة المنتجة محلياً بدل المهرَّبة. ويشير هذا التحول إلى انقسام متزايد بين حزب الله وحليفته التقليدية سوريا. ومع ذلك، يستعد الحزب لمواجهة محتملة مع إسرائيل إذا ظلت قواتها متمركزة في جنوب لبنان بعد عودة المستوطنين إلى المستوطنات الحدودية.

وعلى الرغم من النكسة في سوريا، يظل حزب الله مصمماً على إعادة تأكيد قوته وقدرته على الصمود. وتحرص المجموعة على دحض رواية هزيمتها الكاملة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. ولكن الحزب حريص على عدم إثارة حرب شاملة أخرى مع إسرائيل، لأن مثل هذا التصعيد قد يخلف عواقب مدمّرة على لبنان، خصوصاً على المدنيين في جنوب لبنان الذين يسعون جاهدين لإعادة بناء منازلهم.

انتهاكات وقف النار وقواعد الاشتباك الأحادية الجانب على الرغم من وقف الأعمال العدائية المتوقّع، فقد انتهكت إسرائيل اتفاق وقف النار أكثر من 1500 مرة، باستخدام الطائرات من دون طيار والغارات الجوية لاستهداف مواقع حزب الله في جنوب لبنان ووادي البقاع. وتشير هذه الانتهاكات المستمرة إلى أن تل أبيب تسعى إلى إرساء قاعدة جديدة للاشتباك تحتفظ بموجبها بالحق في استهداف أصول الحزب بغض النظر عن وقف النار.

ويعارض «حزب الله» والحكومة اللبنانية بشدة هذا التفسير الأحادي الجانب، حيث يرفض كلاهما محاولات إسرائيل لإعادة تعريف شروط الاشتباك.

ويكمن الخلاف الأساسي في التفسيرات المختلفة لقرار مجلس الأمن رقم 1701 (2006) الذي أنهى حرب إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.

ويؤكد الحزب أن هذا القرار ينطبق بشكل صارم على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني ما يسمح له بالحفاظ على بنيته التحتية العسكرية في أماكن أخرى من لبنان. وعلى النقيض من ذلك، تزعم إسرائيل والولايات المتحدة أن الـ 1701 ينطبق على البلاد بأكملها ما يتطلب تفكيك جميع الجماعات المسلّحة، بما في ذلك حزب الله، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة السابقة.

الصلة بالقرارين 1680 و1559

إن النقاش حول نطاق الـ 1701 مرتبط في شكل وثيق بقرارات سابقة للأمم المتحدة، وخصوصاً القرارين 1680 (2006) و1559 (2004). فقد دعا الـ 1559 إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، مع التركيز بشكل خاص على سوريا، وطالب بحل جميع الميليشيات.

وفي أعقاب انسحاب سوريا من لبنان في 2005، تم اعتماد القرار رقم 1680 لتعزيز سيادة لبنان، وحضّ سوريا على ترسيم حدودها مع لبنان وإقامة علاقات ديبلوماسية رسمية.

وتتضمن العناصر الرئيسية للقرار 1680 ما يأتي:

- تشجيع سوريا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان واستكمال ترسيم الحدود.

- تعزيز دعوة القرار 1559 إلى حل جميع الميليشيات، بما في ذلك حزب الله.

- الاعتراف بسيادة لبنان ومعارضة التدخل الأجنبي.

- دعم الجهود الدولية لتعزيز المؤسسات الأمنية في لبنان.

وكان رد سوريا على الـ 1680 هو الرفض الصريح. فقد اعتبرت دمشق القرار محاولةً لتقليص نفوذها على لبنان. كما أرجأت جهود ترسيم الحدود ورفضت إقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان حتى عام 2008. ولا تزال النزاعات الحدودية التي لم يتم إيجاد حل لها، خصوصاً في ما يتصل بمزارع شبعا، تشكل نقطة خلاف يستخدمها حزب الله لتبرير أنشطته العسكرية.

المستقبل غير المؤكد لوقف النار

إن وقف الأعمال العدائية الوشيك في الثامن عشر من فبراير محفوف بالشكوك. فالغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة وعمليات الاستطلاع فوق الأراضي اللبنانية تثير الشكوك حول طول أمد وقف النار. ورغم حرص حزب الله على تجنب حرب أخرى، فإنه يظل مستعداً للانتقام إذا تجاوزتْ القوات الإسرائيلية ما يراه حدوداً مقبولة.

كما أن المشهدَ الجيو - سياسي الأوسع نطاقاً يزيد من تعقيد الموقف. فمع مواجهة «حزب الله» عداءً متزايداً من جانب سوريا والضغوط المستمرة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المنظمة تقف عند مفترق طرق. والحزب لا يزال يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع هذه القضية. إذ لا بد أن يوائم بين إعادة الهيكلة الداخلية مع الحفاظ على مكانته كقوة هائلة في لبنان والمنطقة الأوسع. وفي الوقت نفسه، تجد الحكومة اللبنانية نفسها محاصَرة بين الحفاظ على سيادتها وإدارة ديناميات القوة المعقّدة بين «حزب الله» وإسرائيل.

وتشمل القضايا الرئيسية التي يتعين على الحكومة اللبنانية أن تتحرك إلى الأمام فيها وتتعامل معها ما يأتي:

- الانتهاكات الإسرائيلية لوقف النار، حيث إن التوغلات الإسرائيلية المستمرة تهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار وقد تستفز «حزب الله» لاتخاذ إجراءات انتقامية.

- إعادة تنظيم «حزب الله» إستراتيجياً. ذلك أن التدابير الأمنية الجديدة التي اتخذها الحزب وهيكل القيادة اللامركزي قد تعزز من قدرته على الصمود، ولكنها قد توجِد أيضاً تحديات تشغيلية.

- التحولات الإقليمية في القوة، حيث إن الموقف المتغير الذي تتبناه سوريا تجاه «حزب الله» يفرض شكوكاً جديدة في شأن إمدادات الأسلحة والدعم الاستراتيجي.

- تفسيرات القرار 1701، باعتبار أن التفسيرات المختلفة لنطاق وقف النار ستظلّ قضية مثيرة للجدال بين «حزب الله» ولبنان وإسرائيل والجهات الفاعلة الدولية.

- دور الدبلوماسية الدولية إذ يتعين على الأمم المتحدة والقوى العالمية الأخرى أن تبحر في هذه التوترات بعنايةٍ لمنْع اندلاع أعمال عنف جديدة.

الخلاصة: «سلام هش» بلا يقين مع اقتراب الثامن عشر من فبراير، يظل الوضع متقلباً للغاية. ويَعكس القرار الأحادي الجانب الذي اتخذته إسرائيل بتأجيل وقف الأعمال العدائية حساباتها الإستراتيجية، في حين تسلط الأزمة الداخلية التي يمر بها «حزب الله» وجهود إعادة هيكلته الضوءَ على حجم التحديات التي يواجهها. وفي ظل النزاعات التي لم تُحَل في شأن تفسير قرارات الأمم المتحدة، وانتهاكات وقف النار المستمرة، وديناميات المنطقة المتغيرة، تظل احتمالات تجدد الصراع مرتفعة.

وفي الوقت الحالي، يسعى «حزب الله» إلى إظهار قوته من دون التصعيد إلى حرب شاملة. ولكن إذا استمرت إسرائيل في إعادة تعريف قواعد الاشتباك من جانب واحد، فقد يشعر الحزب بأنه مضطر إلى الرد، ما يمهد الطريق لمواجهة مدمرة أخرى. وستكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد إذا كان لبنان وإسرائيل قادريْن على الحفاظ على سلام هش أو هل تنزلق المنطقة إلى دوامة الصراع مرة أخرى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق