حين فقدتُ (حليمة) الزوجة والأم والجَدة، تحرك في داخلي الوجع والمشاعر الفياضة فمسحت دمعات انسابت فوق خدي بأطراف أصابعي.. حين فقدتها تحركت في داخلي المنطقة القصية في ذاكرتي التي صارت كنزاً بفعل المسافة الزمنية بيننا.. حين فقدتها تحركت في داخلي سيرتها الذاتية المُمَلَّحة بكتاب مسيرة حياة قشرنا على صفحاته ثمار العمر.
قبل سبعة عقود انتقلت تلك الغالية من قصور أهلها أخوالي الأفاضل (آل عزيز) إلى قصورنا الطينية العتيقة في حي «ذهبان» بخميس مشيط، وفي ثلاثاء حزين (28 رجب 1446) خذلها قلبها المتعب ورحلت إلى ربها دون وداع، بعد أن كتب الموت السطر الأخير من حياة كانت فيها نسيجاً روحياً من نوع خاص.
في هذه العقود السبعة؛ بنَتْ لها شرفة مشرقة من المودة والرحمة والخير والنبل والوفاء والعطاء والإحسان فرأت الناس بعين قلبها.. أودع خالقها فيها مكارم أخلاق أصيلة فكانت أيقونة استثنائية من الإنسانية.. تبث محتسبة شكوى ونجوى الغلابة والمساكين والمحتاجين والمرضى.. انحازت إلى الشفاعة الحسنة فأضاءت المسرات في أعماق من شفعت لهم.
اللهم ارحم حليمة (أم سعيد) الزوجة النقية الوفية، وارضَ عنها يا كريم يا رحيم، فإني رضيت عنها، واربط على قلوب أضناها وجع الفقد.
أخيراً:
يبقى الرثاء أنبل العواطف البشرية.. يبقى عابقاً بعطر الحنين والوفاء.. يبقى حقا كفله واقع فيه من الألم والتعب ليتحوّل إلى تفريغ الأحزان وتعزيز السلوان واستدعاء المحاسن ومواساة للذات الجريحة في ظل شدة وطأة ألم الفقد.
0 تعليق