نظّمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، بالتعاون مع مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة قطر، الندوة الثانية من الموسم الثقافي الأول تحت عنوان «التكامل المعرفي: سبيل النهوض الحضاري».
شهدت الندوة التي أقيمت مساء أول أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، حضور سعادة السيد غانم بن شاهين الغانم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والدكتور بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون بجامعة قطر، إلى جانب عدد من أساتذة جامعة قطر، وخبراء من مركز ابن خلدون، وممثل عن مركز الدوحة لحوار الأديان.
وقال الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير إدارة البحوث في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تصريحات صحفية: هذه الندوة الثانية من الموسم الأول، وهي الأخيرة، وندوة التكامل المعرفي نصف السنوية، تقام مرتين في السنة، بالتعاون بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومركز ابن خلدون في جامعة قطر.
وأضاف: تهتم الندوة بقضايا التكامل المعرفي بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، وندوة اليوم تسلط الضوء على كتابين، الأول وهو مقدمة ابن خلدون، حيث استطاع ابن خلدون في مقدمته أن يظهر التكامل المعرفي بين علوم التاريخ والعلوم الإنسانية أو الشرعية، ليؤسس لعلم جديد هو علم الاجتماع، والكتاب الثاني هو الموافقات للإمام الشاطبي، واستطاع الإمام الشاطبي بعلمه بعلوم الشريعة وعلوم اللغة أن يؤصل لعلم مقاصد الشريعة. وأشار د. أحمد بن محمد إلى التعاون مع مركز ابن خلدون منذ فترة طويلة، بدأت بالعصف الذهني بين الباحثين في الوزارة والمركز في مجالات التكامل المعرفي، ما نتج عنه دورة في مقدمات العلوم الاجتماعية، ثم ندوة تعقد بصورة نصف سنوية، وأعلنا عن مؤتمر القرآن والمعرفة الإنسانية، الذي يُعقد في أكتوبر المقبل، وأن المؤتمر يتطرق إلى كيف كان القرآن أساسا في الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، والتأسيس للعلوم الشرعية والاجتماعية والوضعية، إضافة إلى كونه أسس لقواعد عامة في علوم الطب وغيرها. ولفت إلى أن المؤتمر يعيد إحياء ومدارسة إمكانية الرجوع بالعلوم الإنسانية والتواصل بينها وبين القرآن، وأن المشاركين من داخل وخارج قطر، وبناءً على التعاون مع مركز ابن خلدون يتم النظر في الملخصات المقدمة التي تستوفي شروط المؤتمر.
تكامل بين العلوم الشرعية والعلمية
وقال الدكتور بدران بن لحسن، مدير مركز ابن خلدون بجامعة قطر: التعاون بين المركز ووزارة الأوقاف هو تقريب الجامعة من الأوقاف والعلوم الشرعية، وكذلك تقريب الشرعيين من الأكاديميين، ويقوم على السعي إلى تحقيق التكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وقد انطلقت هذه العلوم في تراثنا الإسلامي متكاملة من خلال نماذج.
وأضاف في تصريحات صحفية: هذا الجهد ينصب على هذه الندوات التثقيفية والتعليمية للناس، وكذلك مؤتمر يجمع الخبراء من كل التخصصات، من خارج قطر ومن داخلها، حيث يقدمون أوراقا علمية دقيقة تستقرأ وتربط بين القرآن والمعرفة، وتنظر في المعرفة المعاصرة عبر القرآن الكريم.
وأكد المتحدثون على أهمية التكامل المعرفي في استعادة الدور الحضاري للأمة الإسلامية، مشيرين إلى أن العلوم الإسلامية منذ نشأتها امتزجت ببعضها البعض، مما عزّز من تفاعلها مع العلوم الأخرى، واستشهد المتحدثون بمنهجية بعض العلماء والأئمة السابقين، إضافة إلى رؤية ابن خلدون حول التفاعل بين العلوم الشرعية والعقلية.
ونوهوا إلى أن النهضة الحضارية تتطلب استلهام التجارب الإسلامية السابقة في التكامل المعرفي، كما فعل علماء مثل الغزالي، السيوطي، الطبري، وابن تيمية، الذين جمعوا بين العلوم المختلفة وأنتجوا مناهج متكاملة أسهمت في تطور الفكر الإسلامي.
4 مرتكزات
تناولت الندوة أربعة مرتكزات أساسية للتكامل المعرفي: نشأة العلوم: حيث كان القرآن الكريم والسنة النبوية محور المعرفة الإسلامية، والاقتباس والتطوير، إذ استفاد المسلمون من معارف الأمم الأخرى مع إخضاعها للنقد والتطوير، تصنيف العلوم مما يعكس الوعي بأهمية تداخل التخصصات في الفكر الإسلامي، نقد العلوم حيث قام العلماء بمراجعة وتطوير المناهج العلمية باستمرار. خصصت الندوة جلسة لمناقشة «مقدمة ابن خلدون» من منظور التكامل المعرفي، حيث استعرض الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك، العميد المساعد للعلوم الإنسانية والاجتماعية، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، حياة ابن خلدون، ومخطوطات مقدمته، والغرض من تأليفها، ويعتبر علم القرآن «علم العمران البشري» أو «الاجتماع الإنساني»، وهو علم جديد لم يسبق ابن خلدون إليه أحد. ناقشت الندوة أيضًا بحثًا علميًا قدّمه الأستاذ الدكتور نور الدين مختار الخادمي، أستاذ الفقه وأصوله كلية الشريعة بجامعة قطر، بعنوان «التكامل المعرفي من موافقات الشاطبي وبعض أثره المعاصر»، والذي ركز على دور الإمام الشاطبي في ترسيخ مفهوم التكامل المعرفي من خلال كتابه «الموافقات».
وأوضح البحث أن الشاطبي اعتمد على مقاصد الشريعة كمنهج يجمع بين النصوص الشرعية والسياقات الواقعية، مما يسهم في تطوير الاجتهاد الفقهي، وبناء مناهج تعليمية متكاملة، وتوجيه السياسات الشرعية والاقتصاد الإسلامي وفق رؤية معرفية شاملة.
اختُتمت الندوة بعدد من التوصيات، أبرزها: ضرورة إحياء التكامل المعرفي في مناهج التعليم والبحث العلمي، دعم الاجتهاد الفقهي المستند إلى مقاصد الشريعة، تعزيز الدراسات التي تربط بين العلوم الشرعية والعلوم الحديثة، إنشاء مراكز بحثية متخصصة لتعزيز النهج التكاملي في المعرفة الإسلامية.
0 تعليق