إنما عندما يتخطى الواجب إلى تحقيق مهام ليست ضمن جدوله الموكل له.. يتعدى الأمر الإتقان ليصبح في درجة الإحسان، والإحسان مطلب وإن كانت درجته سهلة الوصول بالقول.. فما أكثر المحسنين قولا.. فالباطن أمره عند الله، إلا أنها في التطبيق العملي تتطلب نفوسا ارتقت في فهمها وتفكيرها لمضمونه.
عندما يتعدى دور الطبيب علاج المريض لينتقل إلى تحقيق الأمان كما فعل.. طبيب الطوارئ مع الطفل الصغير الذي حضر مرعوبا من فكرة وجوده بين أيدي الأطباء فتمدد قربه في سرير العلاج إلى أن غفى ونام، هنا تعدى الواجب إلى الإحسان، عندما يمسح معلم دمعة الطالب الفقير ويمسك بيده ويشتري له إفطاره، عندما تتنازل صاحبة متجر لفساتين الزفاف عن المبلغ المتبقي للعروسة لأنها لم تستطع إكماله وتهديها الفستان مبتسمة قائلة «المبلغ المتبقي هو هديتي لك بمناسبة الزفاف»، عندما تحرص على جمع مخلفاتك بعد نزهة على شاطئ البحر ثم تلتفت لتجمع مخلفات الآخرين.. هنا تعدى دور الواجب إلى الإحسان.
في فترة الاختبارات ترق قلوبنا للطلبة والطالبات، سواء كانوا أبناءنا أو أبناء الغير، فلا يبقى أحد من بيننا يمر عليه أمر الاختبارات إلا وتنهال على الأبناء مجموعة من الدعوات بالتوفيق والنجاح، أما إن شاهدناهم وهم متناثرون قرب المدرسة أو في ساحاتها وهم منكبون على كتب أو مذكرات المواد.. إلا وتمر علينا لمحة رفق تجعلنا نعيش شعورهم، لفت نظري عندما كنت أوصل ابني في المرحلة الابتدائية لمدرسته قبل يومين وتحديدا عند مروري من مبنى المرحلة الثانوية، كانت تسير سيارة شرطة قرب مواقف السيارات، في البداية اعتقدت أن الشرطة تقف لوجود مشكلة ما وأن رجال الشرطة حضروا لحل المشكلة، إلى أن سمعت أحدهم يهتف في جهاز المكبر وهو يقول «يلا يا شباب كلكم على المدرسة الاختبار بدأ»، لم أستوعب ما سمعته في بادئ الأمر ثم انتظرت لأتأكد مما سمعت عندما يكرر نداءه، وبالفعل أعاد الشرطي نداءه بطريقة مختلفة «يلا.. كلكم على المدرسة لا تتأخروا على الاختبار» بعدها ارتسمت على شفاهي ابتسامة حنونة وأدركت كيف نتحول جميعنا عند هذه الفلذات إلى نفوس لطيفة مهما تغيرت أدوارنا ومهما كانت تحمل قوة وصرامة، حتى أن الشرطة التي يكون حضورها بمثابة إعلان عن وجود خطر تحولت إلى أب رؤوف يحرص على أن لا يقفد ابنه الاختبار.. هل هو واجب من ضمن واجبات الشرطة أم إحسان يقومون به يتعدى المسؤولية.
جميعنا نستطيع أن نكون محسنين إذا رغبنا في ذلك، الأمر لا يحتاج أكثر من أن نستشعر معنى الإحسان.
بالمناسبة «رمضان عالأبواب» فرصة ذهبية لنتعلم معنى الإحسان، كل عام وأنتم من المحسنين.
eman_bajunaid@
0 تعليق