الكويت وسلوكُ الأُخُوّة

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في العالَمِ العربيّ شرائحُ بانوراميّةُ التوجّه، مختلفةُ الأصولِ والثّقافةِ، ما طرحَ، في الماضي، إشكاليّةً تتمحورُ حولَ مسألةِ الاندماجِ، والاستيعاب، والتّفاعل بين المجموعاتِ المُتعايشة، وهي قضيّةٌ أتت نتائجُها متفاوتة بين قطرٍ وقطر، ودولةٍ ودولة. ورَّغمِ العواملِ السياسيّةِ، والاقتصادية، التي ساهمَت في تَراجعِ مؤشِّرِ الاندماج في بعضِ النّسيج العربي، بدَت دولة الكويت، ذلك الصَّرحُ العريق، وعلى رأسِها حاكِمون حُكماء، متجاوزةً الشَّحنَ الهادفَ الى الفُرقة، والتّبعثر، فانتزعَت المبادرةَ الى لَمِّ الشَّملِ، ووقفت دِرعاً يمنعُ إعادةَ عقاربِ الزّمنِ الى عصورِ الظّلام، نزاعاً، وصراعاتٍ، وحروباً تشوِّهُ وتدمِّر.

في الفسيفساءِ العربيّة، كانت دولةُ الكويت أبرزَ الدّاعينَ الى الشِّركةِ العربيّة، ومن دون انغلاقٍ على أحد، في حين كان بعضُ الأطرافِ ينبذُ الانفتاحَ، ربّما عن قصد، أو يقبلُ به انتقائياً، ما يؤكّدُ على أنّ رغبتَه الشّراكيّةَ رَخوةٌ هشّة.

وهذا، بالذّات، ما جعلَ مفهوم الانتماءِ الى الأمّة العربيّةِ الحضاريّة، مشوَّشاً بفِعلِ انحسارِ إمكانيّات التّكافلِ، والتّضامن، هذه التي أرادتها دولة الكويت الأصيلة، مواثيقَ ترسِّخُ السّلالةَ العربيّة، وترفضُ سلوكَ التّهميشِ، والتّمييزِ البغيض الذي، لطالما، كان في أساسِ تنظيمِ درجاتِ الرّعايا.

لم تعتبر دولةُ الكويت، يوماً، أنّ أحداً من العرب، هو حالةٌ عابرةٌ، أو مُقيمةٌ لِأَجَل، أو مجموعةٌ غريبةٌ بحاجةٍ الى حماية، لأنّ بعضَ المتطرِّفين اعتبروا تلك المجموعة من غير السكّانِ الأصليّين.

فدولةُ الكويت، بِما يتمتَّعُ به حُكّامُها من مزايا إنسانيّة وعُروبيّةٍ انفتاحيّة، رأَت أنّ سلوكَ التّجافي والاضطهاد، والتّباعد، يُضعفُ الشّعور بالانتماء، وينمّي مشاعرَ الشكّ، والعزلة، ويدفعُ الى صراعٍ يُغَيِّبُ الخصائصَ، والمشاركةَ في الحياةِ العامةِ للأمّة، وهذا حقٌّ للجميعِ، يُمنَعُ مصادرتُه تحتَ أيِّ ذريعة، فأيٌّ من المجموعات هو عِرقٌ من عروقِ الأمّة، يَنعمُ حضورُه، كما سواه، بالعدلِ، والمساواةِ، والحريّة، والحقوق.

لقد آمنَت دولةُ الكويت أنّ الانتماءَ الى الأمّةِ هو قضيّةُ التزام، لا قضيّة امتياز، وأنّ الالتزامَ يعني الانسجامَ، والاستقرارَ، وهو رَفضٌ مُطلَقٌ لخلفيّاتِ الاستبداد، والاعتداء، والالتفاف، والهيمنة.

وفي هذا المجال، يعودُ الى سَطح الذّاكرة ما مارسَه النّظامُ العراقيّ البائد من اعتداءٍ سافرٍ على أرضِ الكويت، والذي بُرِّرَ بشعاراتٍ خشبيّةٍ سفسطائيّةٍ ممجوجة، والذي لم يكن، وقتَها، غلطةً مُقتَرَفَة، بقَدرِ ما كان جريمةً موصوفةً انتهكَت سيادةَ دولة الكويت، وأعدمَت الوحدةَ العربية، وأيقَظَت شريعةَ الغابِ، فلم يَعُدْ غريباً الاعتقادُ، بعدَ هذا الشرّ، أنّ هناكَ مَنْ تقمَّصَه الشيطان.

إنّ لبنانَ الذي اعتبرَ الحربَ على دولة الكويت، آنذاك، عملاً مُستَهجناً، مرفوضاً، ومُداناً، وناتِجاً عن ذهنيّة انتهاكيّة استقوائيّة مجرمة، عملاً نَحَرَ الكرامةَ العربيّة، وطَعَنَ الأمانة، ووضعَ سيادةَ الأمّةِ تحت المِقصلة، وزكّى سلوكَ الإجرامِ المكروه. لذلك، كان موقفُ لبنانَ مع أشقّائه في دولة الكويت، موقفاً داعِماً موثوقاً، رافضاً السَّطوَ التّائقَ الى تدميرِ كيانٍ شَقيق، لم يكنْ له، مع لبنان، يوماً، إلّا الرّوابط الأخويّة العريقة الصّادقة، والذي لم يَحجبْ دعمَه، الماديّ والاقتصادي والديبلوماسي، مشكوراً، لحاجات لبنان في أيّامِ السِّلمِ، ولاستغاثاتِهِ في ظروفِه الحالكة، خصوصاً.

وقد بلغَ حكّامَ دولة الكويت هذا الموقفُ الصّادقُ الدّاعم، والذي دعا، بالخطِّ الأحمرِ العريض، الى جلاءِ جيشِ الطّاغية عن أرضِ النُّبلِ، والشّهامة، دفاعاً عن استقرارِ الكويت، وأمنِ شعبِها، وسيادةِ وجودِها، فثمَّنَة القيادة، وشعبُ الكويت الرّاقي، سلوكَ لبنانَ عالياً، بحصّةٍ من التّقديرِ خَلوقة، لِما بين الدولتَين الشقيقتَين من مُشتَرَكاتٍ، ومُناخاتٍ مُندَفِعةٍ للإلفة.

إنّ دولةَ الكويت المُرَونَقَةَ بالخير، والمُرتَقِيةَ بالكَرَمِ الذي غرسَ فيها غُروسَه، بقاماتِها ومقاماتِها، لم تلبِسْ، يوماً، إلّا ثوبَ البهاء، ولم تُؤَيَّدْ إلّا بروحِ الصّلاح، ولم يَفِضْ من جَدولِها إلّا جوهرُ المحبّة، والأصالة العربيّة، ذخائرَ هي من سِماتِ الكِبار. إنّ لبنانَ صاحبَ الوجدانِ الحرّ، والإحساس الحَيّ، والشّعورِ بالوفاء، كان أَدْرَبَ، وأخلَصَ من كثيرينَ حسبوا أنّ زهرَ الكويت ضاعَ عَبَقُهُ، فما كان هؤلاءِ إلّا من غيرِ المُستَطعِمين.

أستاذ جامعي لبناني، كاتب

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق