«الفترة الانتقالية» في حالات الانقلاب السياسي.. !

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يؤمل أن يوضح مضمون هذا المقال ما يجرى الآن في سوريا، وما قد يجري في غيرها من الدول العربية، التي تمر بأحداث مشابهة. يقول علماء السياسة المتخصصون في دراسة النظم السياسية: إن الحكم الجمهوري الديكتاتوري، وخاصة العسكري، لا ولن يحقق «الاستقرار السياسي» الضروري (Stability)، لأي بلد يبتلى به، في المدى الطويل. وما قد يتحقق في ظل هكذا نظام من «هدوء وأمن» إنما هو أمر ظرفي مؤقت... لا يمكن أن يوصف بأنه استقرار حقيقي ثابت، ومستدام، بل هو عدم استقرار سياسي مبطن (Instability)، يمكن أن يتحول إلى عدم استقرار سياسي سافر في أي لحظة. ويمضي هؤلاء للقول بأن: ما يضمن تحقق الاستقرار السياسي الحقيقي فعلاً، في المدى الطويل، هو رضاء غالبية المعنيين (المحكومين) بالطريقة التي تدار بها بلادهم، وتساس بها شؤونهم العامة. وهذا «الرضاء» لا يتحقق غالباً إلا عبر نظام سياسي تمثيلي، يضمن مشاركة هؤلاء في إدارة شؤونهم وأمورهم العامة، بطريقة أو بأخرى. إن ما حصل في سوريا، على مدار نصف قرن، يؤكد هذه النظرة، أو الحقيقة.

ومن حقائق السياسة في الواقع الفعلي أن هناك دائماً صراعاً، خفياً ومعلناً، بين الرئيس الجمهوري المستبد وشعبه، غالباً ما يحسمه الشعب أو الجيش، أو الشعب والجيش معاً. هذا إذا استبعدنا المؤثر الخارجي الفعال. لذلك، لا يمكن، في المدى الطويل، حصول استقرار سياسي حقيقي لأي بلد، في ظل حكم رؤساء الجمهوريات الديكتاتوريين، والعسكريين بخاصة، وباستثناء حكم الديكتاتوريين المصلحين. إن الخلاف الجذري بين الجانبين يؤدي إلى ذلك الصراع المستتر غالباً، والسافر أحياناً، والذي كثيراً ما ينفجر، عاجلاً أو آجلاً، ويتحول إلى اصطدام عنيف، غالباً ما تنتج عنه اضطرابات، وربما حروب أهلية، غالباً ما تؤدي للإطاحة بالرئيس المستبد، وربما تغيير النظام السياسي المعني، شكلاً ومضموناً.

****

ولكي يزاح أي رئيس جمهورية ديكتاتور، وتكتب نهايته، لا بد من هبة، أو ثورة، شعبية مكثفة ضده. وذلك شرط أساسي في عملية التغيير السياسي هذه. قد تنجح هذه الهبة في نهاية المطاف في إزاحة الرئيس، وتغيير النظام، إن أيد الجيش الهبة الشعبية، أو وقف على الحياد تجاهها (تونس 2011م مثالاً). أما إن وقف الجيش في صف الرئيس، فقد يسحق الهبة الشعبية، وينهي الصراع (مؤقتاً، وحتى تعاد الكرة) لصالح الديكتاتور، كما حصل في سوريا عدة مرات، قبل ديسمبر 2024م. وقد لا يتمكن الجيش من إنهاء تلك الهبة، فيستمر الصراع والحراب الأهلي. وقد ينتشر القتل والتدمير، ويسود الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار إلى أجل غير مسمى، وحتى «ينتصر» طرف، ويسيطر على السلطة (الصومال مثالاً هنا).

أخبار ذات صلة

 

وفي بعض الحالات، قد يبادر بعض قادة الجيش، حتى دون وجود انتفاضة شعبية مكثفة، للإطاحة بالرئيس المستبد/‏النظام القائم. وهنا نكون بصدد انقلاب على انقلاب (سوريا عام 1970م)، إذ يحل ديكتاتور محل آخر. وقد يستمرئ الانقلابيون الأمر، ووهج الحكم، فيتمسكون بالسلطة، ويقيمون -بذلك- حكم قلة عسكرية مستبدة، وهذا ما يحصل في الغالب. وقد يترجل قائد جيش حاكم لصالح حكم مدني منتخب (كما تريد الشعوب) فيدخل تاريخ بلاده، كقلة وطنية مخلصة ومصلحة. وذلك كما فعلت القلة العسكرية السودانية، بقيادة المشير الراحل عبد الرحمن سوار الذهب، عام 1985م، إثر الانقلاب على الرئيس جعفر النميري.

****

إذن، نستطيع القول إن إزاحة رئيس الجمهورية الديكتاتور (والذي غالباً ما يكون قد استولى على السلطة بطريقة غير مشروعة)، غالباً ما تتم بالإكراه وعبر مراحل، وخطوات معينة، وقابلة للتحديد. ويندر أن يترجل الرئيس المستبد من السلطة سلماً، وبسلام وهدوء. وهناك دراسات وأبحاث علمية سياسية معتمدة عن الديكتاتورية، وسلوكيات الديكتاتور، تدرس في أقسام العلوم السياسية بأمريكا وغيرها. وأحياناً تدرج ضمن ما يسمى بـ«علم النفس السياسي». ومن استنتاجاتها التي لا تحصى: أن الديكتاتور الجمهوري (وخاصة العسكري) يتمسك بالسلطة، لأقصى حد ممكن، وأنه يتظاهر بالديمقراطية (باعتبار أن السيادة للشعب أصلاً، وليست له، أو لغيره، وباعتبار أن المجتمع الدولي يرفض الاستبداد). وكثيراً ما يلتزم بشكلياتها للتمويه، ولكنه يجمع بالفعل بين يديه السلطات الثلاث، إذ يهيمن تماماً على التنفيذ والقضاء، وغالباً ما يكون لديه برلمان تشريعي صوري، يأتمر بأمره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق