تعميم مجلس الوزراء الأخير بشأن جواز حصول ديوان المحاسبة على نسخ من القرارات واللوائح والعقود بعد "منعه" لمدة ثلاثة أشهر، من الحصول على المستندات، ونشر تقاريره على موقعه، نتمنى أن يتوج بتعديل على قانون ديوان المحاسبة، حتى لا يكون هناك دور لمجلس الوزراء، أو أي جهة حكومية في استغلال حسم الخلاف الرقابي لمصلحة الجهة المخالفة، أو غير الموافقة على ملاحظات، ومخالفات الديوان.
تعديل قانون ديوان المحاسبة، وجعله صاحب أسنان رقابية فولاذية، وتعزيز صرامة رقابته واستقلاليته، تصب في صالح الدولة، والشفافية، والحافظ على المال العام، كما يحد من تدخل مجلس الوزراء، والوزراء على وجه الخصوص، في اختصاص الديوان خصوصاً في غياب مجلس الأمة، وتعطيل بعض مواد الدستور.
ولابد من حسم عدم تدخل إدارة الفتوى والتشريع في اختصاص ديوان المحاسبة، وعدم حجب المستندات الخاصة بالإجراءات القانونية المتعلقة بقضية المدير العام السابق لـ"التأمينات الاجتماعية" فهد الرجعان، الذي قيل إعلامياً إنه توفي في لندن!
في يوليو 2017، حسم مجلس الوزراء الخلاف بين الهيئة العامة للاستثمار وديوان المحاسبة، بخصوص استثمار الهيئة في شركة "أريفا" الفرنسية، "نظرا لاختلاف وجهات النظر" بين الهيئة، كجهة استثمارية حكومية، وديوان المحاسبة، وهو الجهاز الرقابي التابع لمجلس الأمة، وليس الحكومة، قبل حل المجلس!
أوصت "لجنة لدراسة الخلاف في الرأي بين الجهات الحكومية وديوان المحاسبة"، شكّلها مجلس الوزراء حول "سلامة رأي الهيئة وعدم اختصاص ديوان المحاسبة في هذا الشأن".
خلاف الجهات الحكومية مع ديوان المحاسبة، بخصوص خسائر تتكبدها الخزانة العامة، أو هدر للمال العام، له تاريخ طويل وحافل بالجدل من قبل بعض المؤسسات الحكومية، خصوصاً الهيئة العامة للاستثمار.
لكن إذا كان مصدر الرأي المخالف أساساً هو الجهة الحكومية، و"سلامة الرأي" أصبح بيد الحكومة، حتى لو جاءت على يد لجان تسميها الحكومة "محايدة"، فمن يدافع عن الدور الرقابي لديوان المحاسبة، ومن يقرر سلامة الرأي الرقابي واستقلاليته؟ قطعا ليس الجهة الحكومية المخالفة.
قرار مجلس الوزراء سالف الذكر، الذي بني على رأي لجنة تم تشكيلها بقرار حكومي، وليس بقرار من مجلس الأمة، حينذاك، أو ديوان المحاسبة، أو حتى لو كان الأخير شريكاً في النقاش والقرار النهائي الذي صدر عن مجلس الوزراء حينها، لم تنشر تفاصيل القرار والمستندات الدالة على سلامة قرار هيئة الاستثمار في شركة "أريفا" الفرنسية، خصوصا في ظل ما نشر إعلامياً، داخل الكويت وخارجها في هذا الصعيد، لا سيما فيما يتعلق بشكوى هيئة الاستثمار بشأن المال المستثمر في "أريفا" استند إلى حسابات خاطئة قدمتها الشركة في 13 يونيو 2016 دعماً لقرار "حسم الخلاف".
حسم الخلاف بهذا الأسلوب، لا بد أن يقود حتماً إلى لجوء وزارات وجهات حكومية أخرى إلى أسلوب هيئة الاستثمار نفسه، ومخالفات ديوان المحاسبة، وهو ما سيضعف بالتأكيد مصداقية تقارير رقابية، واستقلاليتها، ويهدر دوره الرقابي.
لست بصدد كيل الاتهامات والتشكيك، لكن معالجات بهذا الشكل وبقرارات حكومية منفردة، لا بد أن تمهد الطريق للمزيد من المخالفات، طالما هناك من يحسم الخلاف لمصلحة الجهة المخالفة!
هل يعقل أن تقارير ديوان المحاسبة تصبح غير سليمة في حين قرارات لجان حكومية هي الوحيدة السليمة، وتستفرد بحسم الخلاف الرقابي؟
اليوم ليس لدينا مجلس الأمة، لكن لدينا ديوان المحاسبة، لكي يؤدي الديوان دوره في غياب مجلس الأمة، ومن أجل تحقيق الحياد الحكومي، نتمنى صدور تعديل على قانون ديوان المحاسبة لحسم دوره الرقابي، ودعمه حكومياً، وعدم انتظار تكرار حسم الخلاف الرقابي لصالح الجهات الحكومية المخالفة، والحد من تدخل "الفتوى والتشريع" في مهمات وأعمال ديوان المحاسبة، خصوصا في قضية فهد الرجعان وأسرته وغيرها من قضايا المال العام.
***
مبارك عليكم الشهر الفضيل وعساكم من عواده.
0 تعليق