قصة مهنة لا تعترف بـ «سن التقاعد».. «الحمّالي» ليموزين واقف

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حسن علي: الحمالي أقل مشقة وأعلى دخلاً من غيرها

علي نزاد: الأجرة حسب وزن البضاعة وكرم الزبون

سيد الخزاعي: العمل يزدهر في رمضان والأعياد

 

ترتسم على ملامحهم وانحناءات ظهورهم قصة مهنة لا تعترف بـ «سن التقاعد»، قصة الصبر من أجل لقمة العيش، وبعضهم تجاوز «عتبة الستين» من العمر قضوا ثلثه، إن لم نقل نصفه، في حمل بضائع أصحاب المحلات والزبائن، بأجور زهيدة وأجساد قوية يجنون بها راحة البال والرزق الطيب الحلال.

التحق حسن علي، الذي تجاوز الستين من عمره، بالعربة ذات العجلة الواحدة في سوق واقف منذ 15 عاماً، بعد أن ترك العمل مع إحدى الأسر العربية كطباخ، حيث ضعف جسمه، ولم يقو على مواصلة العمل في إعداد الأطعمة، فوجد ضالته في كسب قوت يومه في مهنة «الحمالة» التي يعتبرها عصب الحياة داخل السوق، وأكثر دخلاً من الأولى، حيث يتراوح دخله اليومي من العمل في السوق ما بين 120 – 150 ريالا وقد يتجاوز دخله في بعض الأيام 180 ريالا، مع حصيلة مُرضية في نهاية كل شهر، يستقطع منها 270 ريالاً ثمن إيجار الغرفة التي يسكنها بالمشاركة مع أربعة من زملائه، بينما يرسل باقي المبلغ إلى أبنائه لإعالتهم وتلبية احتياجاتهم، ثلاث بنات وأربعة أولاد، بعضهم تزوج والبعض الآخر يتهيأ للزواج، و«على الرغم من كبر سني وتقدمي في العمر، أحب العمل، لأن البقاء في البيت يورث الحاجة وليس هنالك من أحد يصرف عليَّ، فاخترت العمل في السوق لأن الحركة بركة ومفيدة لمن هم في مثل سني، لأنها تعني تجديد النشاط والحيوية، وهي رياضة يومية ليست شاقة كما يتخيل البعض بقدر ما تساعد في تخطي أمراض كبر السن، وتقيني شر عدم القدرة على الحركة» هكذا قال.
لدى حسن زبائن دائمون من رواد السوق، يتصلون به أحياناً عبر الهاتف ويحددون أماكن تواجدهم في أي المحلات التي يعرفها عن ظهر قلب، «فعملي منذ فترة زمنية طويلة في مختلف أرجاء السوق، جعلني أتعرف على أسماء المحلات وأماكن تواجدها وحتى أسماء أصحابها».

لا تثير الشفقة
من جانبه لم يجد علي نزاد عملا آخر يناسب سنه أفضل من الحمالة كما يقول، والتي يعتبرها أقل مشقة ولا تثير الشفقة وأعلى دخلاً من غيرها، ولا غنى عنها في سوق واقف فعلى الحمالي تقع مسؤولية نقل البضائع من المحلات إلى المواقف والسيارات وبث الحركة والنشاط في أروقة السوق منذ الصباح الباكر، حيث يبدأ العمل منذ الساعة الثامنة والنصف صباحا، ويستمر حتى الواحدة أو الثانية ظهراً يليها استراحة، بينما تبدأ الفترة المسائية من بعد الإفطار حتى الثانية عشرة ليلاً مع ذهاب زوار السوق جميعاً وإغلاق المحلات.
يقول علي إن الحمالي العاملين في سوق واقف لا يترصدون الزبائن في مواقف السيارات أو عند مداخل السوق، كما لا يطاردونهم أمام المحلات للإلحاح عليهم، بل ينتظرونهم في أماكن معينة، أو يتنقلون في أروقة السوق ذهاباً وإياباً بحثاً عمن يحتاج إلى مساعدة أو يجلسون بانتظار طلب المساعدة لحمل المشتريات مقابل مبلغ من المال، قد يزيد أو يقل حسب وزن البضاعة أو كرم الزبون، أو حسب المسافة أو ما يجود به صاحب المشتريات، لكن الأجر لا يقل عن التسعيرة الرسمية المدونة على الملابس «10 ريالات في الساعة»، وغالبا ما تكون النساء أجود من الرجال.

تقنين المهنة
كان عدد الحمالة في السوق محدوداً، ومع مرور الأيام فقد ازدادت أعدادهم ما أحدث نوعاً من الوفرة في مختلف الأوقات والأماكن، فتجد في أغلب سكك السوق عمالاً جاهزين للمساعدة أو ينتظرون أصحاب المحلات والزبائن لحمل بضائعهم، كما شهدت هذه المهنة شبه «تقنين» داخل السوق، إذ لديهم صفة رسمية تخولهم العمل في السوق، مع أجرة شهرية إضافية ثابتة، فضلا عن اعتمادهم في عملهم على «كرم الزبون»، يؤكد سيد الخزاعي، إلى جانب حرصهم على كسب أكبر عدد من الزبائن، باعتبارهم يقتاتون من المبالغ التي يتحصلون عليها.
التحق الخزاعي بمهنة الحمالي منذ عشرين عاماً، مبيناً أن العمل يزدهر في المناسبات الوطنية والأعياد وقد تبلغ ذروتها في شهر رمضان، حيث تكثر المشتريات والهبات أيضاً، ليجد الخزاعي أن مدخوله الإضافي قد يصل إلى قرابة 4 آلاف ريال في الشهر الفضيل.

الصباح أقل وتيرة
العمل في الصباح أقل وتيرة، تبدأ دورة العمل في غير رمضان بعد صلاة الفجر بعد أن يشرب «كأس شاي» يعده هو أو أحد زملائه قبل أن يرتدي سديرته الخاصة ويجهز عربته ليبدأ رحلة البحث عن «زبون يحتاج مساعدة»، قد ينتظره في أروقة السوق أو أمام المحلات الشهيرة، أو ينتظر من ينادي عليه من دون فقدان الأمل، فالسوق يمتلئ برواده في مثل هذه الأوقات و«الرزق على الله».
بينما يشعر بالعزيمة في الصباح والقناعة في المساء، يفكر الخزاعي في أبنائه الثلاثة الذين يبعث لهم في كل شهر ما يعيلهم ويقيهم حاجة الناس، يقول إن العمل بركة والدخل في اليوم الواحد يتراوح ما بين 120 – 180 ريالا وهي تكفي لسد متطلبات الحياة، فالحمالة أفضل من غيرها من المهن، والناس في الدوحة لا يزالون بسطاء كرماء، كما أن العمل في سوق واقف لا يحتاج إلى دهاء، أحيانا تكون الأغراض المحمولة ثقيلة الوزن فيعطينا الزبون مبلغاً إضافياً دون أن يسأل عن الأجر المطلوب، بل يكرم عليك ويعطيك أكثر مما تتوقع، يدفع المال إلى جيبك والرضا والسرور إلى قلبك.
لكن العمل لا يخلو من وجود بعض الزبائن ممن يعرض عليه مبلغاً أقل من المطلوب، ويصر عليه، ولا يكون أمامك سوى الرضا مهما كان المال الذي تحصلت عليه وهذه طبيعة عملنا في هذه المهنة منذ سنوات، هكذا الحياة، أسواق وأرزاق، والرزق مكتوب ويتبع صاحبه أينما ذهب، يسافر الخزاعي خلال الإجازة إلى بلده لزيارة عائلته وذويهم، وهي إجازة سنوية كافية لشحذ طاقته ليستأنف العمل من جديد في مهنة صامدة في وجه التغيرات وتجمع بين «الطاعة والقناعة»!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق