الأمن القومي العربي بين الحقيقة والخيال

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يعد هناك فرق بين الحقيقة والخيال، بل أصبح الاخير في عالمنا اليوم واقعاً اكثر من الحقيقة، والواقع المؤلم، الذي ضرب كل الافلام في دار الخيال. بعد ان تساقطت مجموعة كبيرة من الحقائق في بحور الاهواء الشخصية والكذب والمصالح الآنية، والا كيف نفسر ما يدور حولنا من احداث وصراعات، وكأننا نعيش فيلماً من افلام "هوليوود" او "بوليوود"؟

كيف نفسر حرب الابادة الانسانية في غزة، وكيف تعبث اسرائيل كيف ما تشاء في العالم وكما تريد، والعالم صامت؟

كيف تحكم العالم دولة واحدة هي الولايات المتحدة الاميركية، بينما هناك دول قوية مثل روسيا والصين والهند، لا تحرك ساكناً امام القرارات الدولية، وقرارات مجلس الامن خصوصا؟ وهذا يدفعنا للاستفسار عن الامن القومي للامة العربية.

لذلك، عندما نتحدث عن الامن القومي، فماذا نجد؟

لقد تأسست الجامعة العربية بتوجيه بريطاني في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان أساس انشائها هو الامن القومي والاستقرار في المنطقة العربية.

ووضعت الدول الاعضاء في الجامعة أسس وركائز الامن العربي بينها، الا انه كان أمناً غير واضح، لكنه نجح في اول اختبار له، الا انه سقط في الاختبارين الثاني والثالث.

الاختبار الاول: أثبت الامن القومي العربي جدارته بالتنسيق مع القوات البريطانية في البحرين من الوقوف امام تهديدات الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم واطماعه في دولة الكويت، وذلك بعد اعلان استقلالها عن بريطانيا عام 1961، وكانت ادعاءاته ترتكز على أن الكويت كانت جزءاً من العراق، فصلها الاستعمار البريطاني، رغم تمتع الكويت بالحكم الذاتي من الحكم العثماني.

وبسبب هذه التهديدات، قامت الجامعة العربية بالتدخل لمواجهة أطماع عبد الكريم قاسم، وأرسلت قوات عربية من السعودية والجمهورية العربية المتحدة والسودان إلى الكويت. ولو عدنا إلى التاريخ في تلك الفترة لوجدنا ان قاسم أبرق إلى أمير الكويت مهنئا بإلغاء الاتفاقية مع بريطانيا ووصفها بالمزورة و"غير الشرعية"، دون التطرق إلى استقلال الكويت.

وفي 25 يونيو 1961، عقد مؤتمراً صحافياً في بغداد، طالب فيه بـ "ضمّ الكويت رسمياً إلى العراق"، مع تعيين أميرها برتبة "قائمقام" تابع لمحافظة البصرة.

ولكي تكتمل الصورة للغزو المرتقب، وضعت الفرقة الأولى في الجيش العراقي، المسؤولة عن الحدود مع الكويت، في حالة تأهب بانتظار أمر "الزحف والاحتلال"، وتحرك اللواء "14 مشاة" من محافظة الناصرية باتجاه الحدود، ومعه كتيبة دبابات من اللواء المدرع الرابع في بغداد، الا ان قائد الفرقة اللواء الركن حميد الحصونة رفض فكرة الغزو العسكري، كما رفضها بشدة وزير الخارجية العراقي هاشم جواد الاوقاتي الذي تحدث مطولاً مع قاسم محاولاً إقناعه بالحل السياسي، والتقدم بشكوى قانونية أمام محكمة العدل الدولية، الا انه رفض ذلك.

وعندما تم قبول دولة الكويت في الجامعة العربية أمر قاسم بقطع علاقة بلاده الديبلوماسية مع كل الدول العربية التي اعترفت باستقلال الكويت، ومنها لبنان وتونس والأردن، الا ان أمير الكويت طلب بعد هذا الإجماع العربي بإرسال قوات عربية لحماية بلاده، فكانت السعودية أولى الدول التي استجابت، وجاء على لسان الملك الراحل الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود "نحن معكم في السراء والضراء، وسنكون أوفياء فيما تعاهدنا عليه".

وفي 1 يوليو 1961، وصلت قوة عسكرية سعودية إلى الكويت، تبعتها قوات من مصر والأردن والسودان، التزاماً بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، اذ ينص البند الثاني منها على أن ''تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة، ومجتمعة، جميع التدابير، وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما، كما وصلت قوات من القاعدة البريطانية في البحرين للوقوف امام التهديدات العراقية.

وهكذا اثبت الامن القومي العربي دوره وفاعليته في تثبيت السلام والامن والاستقرار في المنطقة العربية والتزامه باحترام مبادئ الجامعة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك 1950.

في المقالة المقبلة سأتناول سقوط واحباطات الدول العربية في تحقيق امنها والشرخ العربي الامني الكبير الذي اصاب الامة العربية بعد احتلال العراق للكويت عام 1991، وانقسام الدول العربية الاعضاء في جامعة الدول العربية بعد اجتماع 8 أغسطس 1991 في القاهرة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق