في لحظة بدت كأنها حلم يتحقق بعد سنوات من الألم الصامت، عادت «أندريا ميشيل رييس» الطفلة التي اختطفتها والدتها من قبل أن تتم عامين من عمرها عام 1999، من مدبنة «نيو هيفن» في ولاية كونيكتيكوت الأمريكية، لتلتقي بوالدها مجدداً بعد 25 عاماً من الفراق بعد أمضت حياتها بعيداً في مدينة «بوبلا» المكسيكية بسبب والدتها.
في صباح 5 أكتوبر 1999، كانت «أندريا» تلعب في منزل والدها، الذي كان يملك حضانتها القانونية الوحيدة، لكن تلك اللحظات الهادئة تحطمت عندما اقتحمت والدتها، «روزا تينوريو» التي لم تكن تملك أي حقوق حضانة، المنزل وأخذتها بعيداً، لم تترك «تينوريو» أي دليل على وجهتها، وسرعان ما عبرت الحدود إلى المكسيك، حاملة معها أندريا إلى مستقبل مجهول، وهو ما يتذكره والد الطفلة: «شعرت أنني أفقد جزءاً من روحي» وما كان من السلطات إلا أن أصدرت توقيف ضد «تينوريو» بتهمة التدخل في الحضانة، لكن الحدود الدولية جعلت من المستحيل تعقبها في ذلك الوقت، وفق القصة التي كشفتها صحيفة «الغارديان» البريطانية.
بدأ الأب رحلة بحث مضنية، حيث سافر إلى المكسيك مرات عديدة، يتجول في القرى والمدن، متمسكاً بصورة ابنته الصغيرة وهو يسأل المارة إن كانوا قد رأوها، «كنت أرى طفلتي في عيني كل طفلة ألتقيها» هذا ما يقول بحزن عميق، لكن السنوات مرت دون جدوى، وتحولت القضية إلى ملف بارد في أرشيف شرطة «نيو هيفن»، بينما ظل الأمل يتضاءل مع كل شمس تغرب.
كيف أعيد فتح القضية؟
في عام 2023، قررت المحققة «كيلين نيفاكوف» من وحدة الضحايا الخاصة في شرطة نيو هيفن إعادة النظر في هذا اللغز القديم، باستخدام أدوات حديثة مثل تحليل وسائل التواصل الاجتماعي، وأوامر التفتيش، ومقابلات متجددة، بدأت في ربط الخيوط المتقطعة «كنت أشعر أن هناك شيئاً ينتظرنا في الطرف الآخر» كما تقول «نيفاكوف»، التي وجدت نفسها مدفوعة بشغف شخصي لإعادة الأمل إلى عائلة ممزقة.
أخبار ذات صلة
الانفراجة الكبرى جاءت عندما تواصلت امرأة في العشرينات من عمرها مع رجل اعتقدت أنه والدها، كانت «أندريا» التي نشأت في بوبلا دون معرفة كاملة بماضيها، قد بدأت تشك في قصة حياتها التي روتها لها والدتها، هذا الاتصال أشعل فتيل التحقيق من جديد، حتى عملت المحققة الأمريكية مع شركة لعلم الوراثة الجنائية، التي استخدمت تقنية «الاختبار السريع للعلاقات» لمقارنة الحمض النووي لأندريا مع عينة من والدها، حتى كانت النتيجة متطابقة تماماً مما يؤكد أن هذه المرأة هي بالفعل الطفلة المفقودة منذ 1999.
لحظة تاريخية في نيو هيفن
تم ترتيب اللقاء في مقر شرطة نيو هيفن، حيث وقف الأب، الذي أنهكته السنون ولم تنهكه آماله، ينتظر ابنته التي لم يرها منذ كانت طفلة رضيعة، عندما دخلت أندريا، التي تحمل ملامح طفولتها الممزوجة بنضج السنين، لم يتمالك الأب نفسه «احتضنتها وكأنني أعانق الماضي كله» يقول وهو يصف تلك اللحظة التي غمرتها الدموع والابتسامات.
لم تتحدث «أندريا» كثيراً عن حياتها في المكسيك أو علاقتها بوالدتها، التي لا تزال مطلوبة بموجب مذكرة توقيف أمريكية غير قابلة للتنفيذ في المكسيك، لكنها اختارت البقاء على اتصال مع والدها، معلنة بداية رحلة جديدة لاستعادة ما فُقد «أريد أن أعرف من أنا حقاً»، تقول أندريا، التي تجد نفسها الآن بين عالمين: ماضٍ لم تعرفه وحاضر يعانقها بحرارة.
0 تعليق