تصريحات وزير التجارة الاميركي هوارد لاتنيك، وكذلك تفعيل قانون "الاعداء الاجانب"، ذكّراني باحدى المناسبات عندما كنت وزيراً لشؤون مجلس الامة، اذ يومذاك دعونا السفير الاميركي الى لقاء مع الشباب في الوزارة كي يشرح لهم العلاقة بين الكونغرس (مجلسي الشيوخ والنواب) والحكومة، والتعامل الديمقراطي بينهما.
ووصلنا، بعد نقاش مطوّل، الى ان الرئيس الاميركي هو الحاكم، رغم المؤسسات الدستورية، ويملك القرار مفرداً، وربما لا يرجع الى أحد، فالاوامر التنفيذية التي يصدرها نافذة، حتى لو اعترضت عليها المحاكم.
يومها كان لدى الشباب الكويتي في الوزارة قناعة ان الشكليات الديمقراطية، وأيضا فصل السلطات، ليس لها محل في الحكم الاميركي، واليوم نجد تطبيقاً واقعياً لهذه المحصلة، مع بدء اصدار الرئيس دونالد ترامب مجموعة اوامر تنفيذية بإبعاد المئات من المقيمين في الولايات المتحدة، ومنهم اطباء تحتاج اليهم الولايات التي يقيمون فيها.
هذا يؤكد رأيي أن رئيس الدولة الاقوى في العالم يتجاهل القضاء، وهذا امر غريب، لان النزعات البشرية لا بد ان تتحكم بمزاج الفرد، ما يعني انه لان تستطيع اي قوة دستورية نقض قراره، حتى لو كان ذلك يضر بمصالح دولته.
فالرئيس الاميركي حين يأمر بترحيل أشخاص منع القضاء ترحيلهم نجد ان الديمقراطية أصبحت قميص عثمان، وكل واحد يشكلها وفق مصالحه.
فقانون "الاعداء الاجانب" صدر عام 1798 خلال رئاسة جون آدامز، عندما كانت البلاد مكونة من 16 ولاية فقط، وهذه نقطة مهمة دستورياً، اذ علينا ان نتذكر القوانين التي صدرت خلال قرون، ومنها مثلا، القوانين الصادرة خلال الحرب الاهلية الاميركية (1861 –1865)، والتي يمكن تفعيلها في اي وقت، وفق المصالح الظرفية.
اللافت للنظر في قرار الإبعاد الاميركي الحالي، ان الرئيس امر بارسال المبعدين الى دولة اخرى غير وطنهم، وهذا يترجم الاسلوب السياسي الأميركي الغريب الاطوار، لانه في بعض الأوقات يحارب بعض الدول تحت شعار حقوق الانسان والديمقراطية، فيما يتجاهل ما يفعله، ولا احد يحاسبه.
ماذا يعني هذا في العلاقات الدولية؟
يبدو الرئيس الأميركي في هذه الاوامر انه يسعى إلى نوع من الديكتاتورية المرحلية، لان المتعارف عليه انه كل اربع سنوات هناك انتخابات رئاسية، وهذا بالطبع له حسابات اخرى، خصوصا ان مصالح الاقطاب في الحزب الذي يمثله الرئيس تحدد برنامج المرشح، وعليه ان يراعي هذا الامر.
ايضاً، هذا يدل على انه ليست هناك ديمقراطية صحيحة مئة في المئة، وان تلوين الحكم بهذا اللون، لا يلغي الجوهر الديكتاتوري، ولقد رأينا في جلسة الكونغرس الاميركي كيف طُرد بعض النواب لانهم انتقدوا خطاب الرئيس.
في المحصلة ما نراه اليوم في الممارسات الجديدة القاسية، اكان في الداخل الاميركي، او الخارج، وما يمكن ان يطلق عليه "الابتزاز" سيكون في عهد ترامب، وبحكم التقليد سياسة في غالبية الدول، القاصرة عن فهم ماذا تعني الديمقراطية من قوة لمناعة الدولة، اي دولة، في مواجهة الخارج، لان تمزيق المجتمع، حتى لو كان يخدم مصالح موقتة للدولة، فإنه سينتهي الى إضعافها.
على هذا الاساس رأينا كيف بدأت الدولة، القريبة والحليفة، للولايات المتحدة تعمل على معارضتها، فهل هذا يدخل العالم عصر شريعة الغاب، واذا اكل الكبير الصغير في المجتمع الواحد، فهل يسود هذا ايضا بين الدولة... فكروا فيها؟
0 تعليق