سُذَّج يرفعون شعار 'ولد بطنها'... دون معرفة معناه

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كنت أتمنى من الذين يتفاخرون بالمقولة الساذجة "ولد بطنها" أن يتفكروا بأصلها، ولماذا كانت تطلق في بعض الدول المجاورة، وعلى ماذا، قبل أن يطلقوها شعاراً لهم وكأنهم "جابوا الذيب من ذيله".

كنت أتمنى أن هذا التباهي يخدم الكويت، وأهلها، وتاريخها، لكنه كاذب فهو يهدم ولا يجمع، ويعبر عن جهل مُطبق بما تأسست عليه الكويت منذ 400 عام، من تسامح وسعي إلى ترسيخ جوهر الإنسانية التي أصبحت ثقافة، وذلك ما يستحق التفاخر، وما تركه ذلك على كويت الانفتاح على العالم، ورسالتها المميزة ثقافياً للعالم العربي.

في علم الاجتماع إن كل إنسان يولد على أرض هو "ابن بطنها"، إذا كان المقصود مسقط رأس المولود، وليس جنسيته، ولهذا كانت القاعدة القانونية العالمية أن "كل من ولد في أجواء أي دولة، على متن أي طائرة، يحصل على جنسيتها".

للأسف، في الآونة الأخيرة، سادت بعض المقولات الجاهلة، الممزقة للنسيج الاجتماعي، والهادمة للوحدة الوطنية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التعاضد والتلاقي، وليس الانقسام، في ظل ظروف دولية وإقليمية حساسة جداً، وسعي بعض القوى الكبرى إلى تفتيت المنطقة ككل.

فيما الجاهلون يُحْدِثون شرخاً في المجتمع، ولم يتفكروا في الأسس التي حددها صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، في خطبه السامية، عن الوحدة الوطنية، ولا هم يدركون مآلات كلامهم، بينما الكويت تضم رعايا من نحو 200 جنسية، يولد سنوياً المئات منهم، وكلهم يمكن إطلاق مقولة "ولد بطنها" عليهم، لأن مسقط رأسهم كان فيها، لكنهم يحملون جنسيات بلدانهم.

لهذا علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، ونتحدث بصراحة، فحين بدأ العهد في تنقية الهوية الوطنية، كان التوجه السامي ألا يُظلم أحد، وإقامة العدل وتطبيق القانون، لأن الهدف كان وقف مسار الانحدار الذي تركه العبث بالهوية، وحصول أولئك الذين زوروا على مكاسب ليست من حقهم، ولهذا رأينا نسبة معينة من المزدوجين والمزورين والمدعين، الذين سعوا إلى ذلك عبر معلومات كاذبة، وغش في تسجيل مواليد ليسوا من صلبهم، وهؤلاء، مهما كان عددهم، يبقون قلة.

على هذا الأساس من المعيب أن يشكل ذلك مناسبة لإحداث شرخ في المجتمع، بل إن هذه الإشكالية تكون عبرة للمزيد من الوحدة الوطنية، وليس للتحريض المقيت، وألا يتنابز الناس بأَلقاب السوء.

الحقيقة أن الكثير من ممن أقاموا على هذه الأرض خدموا الكويت أكثر من المتباهين بأنهم "ولد بطنها"، بل بعضهم افتداها بدمه، ولم يسأل حينها إذا كان "ولد بطنها" أو "ظهرها"، ففي لحظة التضحية تتساوى الأنفس.

حين دافع الكثيرون عن الكويت خلال الغزو العراقي، وعملوا طوال سبعة أشهر حتى تحررت من براثنه، لم يسألوا طائفة هذا أو ذلك، ولا هل هو من داخل السور أو خارجه، بل كانوا يدافعون عن وطن آمنوا به.

نعم، لم يكن ذلك بفضل تفاخر بـ"ولد بطنها"، إنما لتسامح الكويت مع الجميع، والخير الذي تغدقه على العالم، ورفع الضيم عن المحتاجين، ولإقامتها علاقات مع العالم كله على أساس عدم التدخل بشؤون الآخرين، كما أن دستورها منع التمييز بكل أشكاله، ففي المادة 29 نص على الآتي "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين"، وهذه قمة الإنسانية الواجب اتباعها.

اليوم علينا أن نتدبر أمورنا بما يخدم إبعاد الكويت عما يجري في الإقليم والعالم، خصوصاً أن تعدادنا لا يتجاوز 1.2 مليون، ونحن دولة صغيرة بالنسبة إلى عدد السكان، وهناك تحديات كثيرة وجبت مواجهتها بالوحدة.

كما علينا أن نتذكر أن هذا العدد، يخدمه 3.5 مليون مقيم، ففي كل بيت هناك خمسة أو ستة من غير الكويتيين يعملون لخدمة أهله، وهذا يرفد الناتج الوطني، ومن يدير المنشآت الكهربائية والمائية، والقطاع الطبي، والتجاري، والاستثماري، وغيرها... وغيرها هم مقيمون، وليس "ابن بطنها" الجالس على الأريكة في الجو اللطيف يُقسِّم الناس فئات على أساس جاهل، نبذته القيم الإنسانية جمعاء.

سمة العهد العدل القائم على إحقاق الحقوق للناس من دون أي تمييز، فمن أين أتيتم يا أصحاب هذه المقولة الساذجة الغبية المقسمة للمجتمع بهذا؟ ويبقى السؤال: أنتم ماذا قدمتم للكويت حتى تميزوا الناس أيها السذج؟

  • أحمد الجارالله
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق