مع كل إقرار للميزانية العامة، تتجه الأنظار إلى النفقات الرأسمالية، فبينما يُفترض أن تكون المحرك الأساسي لمشاريع التنمية والبنية التحتية، لا تزال الأرقام تكشف عن تفاوت كبير بين الخطط المعلنة ومعدلات التنفيذ الفعلية، فالسؤال الذي يتجدد كل عام: لماذا تتراجع النفقات الرأسمالية رغم الحاجة الملحة لتطوير المشروعات الحيوية؟ ولماذا تعجز الحكومات المتعاقبة عن دفع هذه المشاريع نحو الإنجاز الفعلي؟
وبحسب البيانات الرسمية للحسابات الختامية التي جمعتها «الجريدة»، بلغ إجمالي النفقات الرأسمالية خلال السنوات الخمس الماضية 11 مليار دينار، إذ بلغت في 2019-2020 نحو 2.63 مليار دينار، لتتراجع في السنة المالية 2020-2021 إلى 1.90 مليار، ثم عادت إلى الارتفاع مجددا في 2021-2022 لتسجل 2.57 مليار، إلا أنها ما لبثت أن انخفضت إلى 2.05 مليار في 2022-2023، قبل أن تسجل تراجعا إضافيا في 2023-2024 حيث بلغت 1.86 مليار.
ورغم أن النفقات الرأسمالية تعد المؤشر الأهم على مدى التزام الحكومة بتنفيذ خططها التنموية، فإن الأرقام تظهر تراجعا حادا بنسبة بلغت 29 في المئة بين الأعوام 2019 و2023، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة الجهات الحكومية على تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة.
وتعتبر خطة التنمية 2020-2025 الإطار الاستراتيجي الذي يفترض أن تقود عبره الحكومة مشاريعها الكبرى، إلا أن التنفيذ الفعلي للنفقات الرأسمالية يشير إلى تأخر واضح، فرغم وجود مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل تطوير شبكة الطرق والجسور، ومطار الكويت الدولي (T2)، فإن العمل فيها يسير بوتيرة بطيئة، مما يعوق استفادة الاقتصاد والمجتمع منها.
القطاع الإسكاني أيضا لم يسلم من هذا التباطؤ، إذ تواجه المشاريع الإسكانية تأخيرا في مواعيد تسليمها، مثل مدينة المطلاع وجنوب صباح الأحمد، وتحديات تتعلق بسرعة الإنجاز وتسليم الوحدات السكنية في مواعيدها المحددة، أما في مجال الكهرباء، وإن شهد مؤخرا اهتماما عبر مشاريع «المزود المستقل»، فالتأخير في تنفيذ المشاريع المستهدفة أدى إلى استمرار مشكلات تتعلق بالكفاءة التشغيلية والإدارة المستدامة للموارد، ولعل أزمة القطع المبرمجة الصيف الماضي لم تكن ببعيدة عن الذاكرة.
ورغم رصد ميزانيات ضخمة لمشاريع التنمية فإن عدة معوقات تحول دون التنفيذ الفعلي، أبرزها البيروقراطية وتعقيدات الدورة المستندية، حيث تواجه المشاريع إجراءات مطولة قبل الحصول على الموافقات النهائية، رغم إنشاء الهيئات المستقلة والأهداف التي روج لها وقت إنشائها، إلا أن إعاقة المشاريع عن سير العمل وفق الجدول الزمني المحدد كان مصيرها، إضافة إلى ذلك فإن ضعف كفاءة التنفيذ لدى بعض الجهات الحكومية يؤثر على سرعة الإنجاز ويرفع التكلفة النهائية للمشاريع.
أما فيما يتعلق بالتمويل فإن الاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للإنفاق الرأسمالي يجعل هذه المشاريع عرضة للتقلبات المالية، حيث إن أي تراجع في أسعار النفط ينعكس مباشرة على قدرتها على التنفيذ، مما يدفع إلى تأجيل أو تقليص بعض المشاريع المخططة.
وفي ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى إصلاح آليات التنفيذ وتعزيز كفاءة الإنفاق الرأسمالي، عبر تسريع الإجراءات الإدارية وتقليل التعقيدات البيروقراطية التي تعرقل تنفيذ المشاريع، كما أن تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص على أرض الواقع، من خلال التوسع في مشاريع الشراكة بين القطاعين، يمكن أن يساهم في تخفيف العبء عن الميزانية العامة وزيادة كفاءة تنفيذ المشاريع.
إضافة إلى ذلك، فإن تطوير آليات الرقابة والمتابعة الأصل فيها أنها تساعد في ضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة لا عرقلتها، وتبقى النفقات الرأسمالية المؤشر الأهم على جدية الحكومة في تنفيذ خططها التنموية، لكن ما تعكسه الأرقام هو تباطؤ واضح في الإنفاق رغم الحاجة الملحة لإنجاز المشاريع الحيوية، ورغم الجهود المبذولة، لا يزال التحدي الأكبر هو ضمان تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة وفاعلية، بما يحقق أهداف رؤية 2035 ويضمن مستقبلا اقتصاديا مستداما.
0 تعليق