8 سنوات غيّرت المعادلة.. كيف أعاد ولي العهد رسم ملامح السعودية؟

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في السادس والعشرين من رمضان قبل ثماني سنوات، بايع السعوديون الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، متطلعين إلى مستقبل يحمل ملامح التجديد والتغيير. واليوم، وبعد مرور هذه السنوات، لا يُنظر إلى هذه الذكرى كمجرد محطة بروتوكولية، بل كعلامة فارقة في مسيرة المملكة الحديثة. فالسعوديون يحتفون بهذه البيعة لأنهم شهدوا خلالها تحولات غير مسبوقة، لم تكن وليدة المصادفة، بل جاءت نتيجة لرؤية واضحة وقائد اختار أن يواجه التحديات بجرأة وحكمة وحزم.

عندما تولى الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، كانت المملكة على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب قرارات حاسمةً، ليس فقط لإدارة الواقع، بل لإعادة تشكيله. فمنذ اللحظة الأولى، لم يكن هناك مجال للتردد أو التراخي، بل كانت هناك رؤية مستقبلية تستند إلى أسس صلبة، وقرارات تُترجم إلى إنجازات ملموسة، غيرت وجه المملكة داخلياً وخارجياً.

ولعل أهم ما يميّز هذه المرحلة أن التحولات لم تكن سطحية أو مؤقتة، بل كانت عميقة ومستدامة، شملت مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن التنمية الاجتماعية إلى القوة الإقليمية، ومن الحوكمة إلى الاستثمارات في المستقبل. لم يكن الأمر مجرد تطوير لما هو قائم، بل كان إعادة بناء شاملةً لمسار المملكة، وفق رؤية تجعلها في مصاف الدول المتقدمة.

وبينما تختلف أسباب الاحتفاء بهذه الذكرى من شخص لآخر، فإن هناك إنجازات جوهريةً تجعل هذه البيعة علامة فارقة في تاريخ السعودية الحديث، وترسخ مكانة ولي العهد كرائد للتغيير وصانع لمرحلة جديدة من الحزم والتحديث. ومن بين هذه الإنجازات، يمكن رصد عشر محطات رئيسية كان لها الأثر الأبرز في التحول الذي شهدته المملكة.

1. إعادة تعريف الاقتصاد السعودي

لطالما كان النفط هو العصب الأساسي للاقتصاد السعودي، لكن ولي العهد رأى أن الاستمرار في هذا المسار لم يعد خياراً مستداماً. فجاءت رؤية 2030 كمشروع اقتصادي ضخم يستهدف تنويع مصادر الدخل، وجعل المملكة قوة اقتصادية إقليمية ودولية لا تعتمد على مصدر وحيد. تحت قيادته، أصبح صندوق الاستثمارات العامة أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، وتم إطلاق مشاريع عملاقة مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، مما أعاد تشكيل المشهد الاقتصادي، وفتح الأبواب لفرص غير مسبوقة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء.

2. تمكين الشباب وتحويلهم إلى قادة المستقبل

لم يكن تمكين الشباب شعاراً سياسياً، بل سياسة حقيقية طبقها ولي العهد من خلال إدماجهم في المناصب القيادية، ودعمهم في مجالات ريادة الأعمال والابتكار. فلم تعد الدولة هي المحرك الوحيد للاقتصاد، بل أصبح الشباب السعودي عنصراً أساسياً في التغيير، يقودون مشاريعهم، ويديرون الشركات الناشئة، ويتولون مواقع القرار.

3. إصلاحات اجتماعية تُواكب العصر

قاد الأمير محمد بن سلمان إصلاحات اجتماعية غيّرت المشهد السعودي جذرياً. من تمكين المرأة في سوق العمل، وفتح المجال لها في قيادة السيارة، وإعادة ضبط المشهد الثقافي والترفيهي، إلى سن تشريعات تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بما يحقق التوازن بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم. هذه التحولات لم تكن شكلية، بل عكست رؤية قائد يؤمن بأن المجتمع القوي هو ذلك الذي يتطور مع الزمن دون أن يفقد جذوره.

4. مكافحة الفساد.. لا أحد فوق القانون

في السنوات الأولى لتسلمه زمام ولاية العهد، قاد سموه واحدة من أكبر حملات مكافحة الفساد في تاريخ المملكة، حيث تمت محاسبة شخصيات نافذة كانت تعتبر فوق القانون. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء عابر، بل كانت تأكيداً على أن الشفافية والمساءلة هما أساس الحكم الرشيد، وأن زمن الامتيازات غير المشروعة قد انتهى بلا رجعة.

5. السعودية قوة إقليمية لا تُتجاهل

بفضل سياسته الحازمة، لم تعد المملكة مجرد لاعب في المنطقة، بل أصبحت قوة محورية تؤثر في الملفات الإقليمية، من اليمن إلى السودان، ومن الوساطة في النزاعات الدولية إلى دورها الفاعل في سوق الطاقة العالمية. استطاع ولي العهد أن يجعل السعودية رقماً صعباً في المعادلات الدولية، تدير تحالفاتها بذكاء، وتوازن بين مصالحها الوطنية والتحديات الإقليمية.

6. علاقات دولية متوازنة ومستقلة

استطاع الأمير محمد بن سلمان أن يضع سياسة خارجية متوازنة تجعل من المملكة دولة ذات سيادة حقيقية في قراراتها، غير تابعة لأي طرف. فبينما استمرت الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فتحت المملكة آفاقاً جديدة مع الصين وروسيا وأوروبا، مما عزز استقلالية القرار السعودي، وأكد أن الرياض لم تعد تتلقى الإملاءات، بل تصوغ سياساتها وفق مصالحها الوطنية فقط.

7. استثمارات ضخمة في البنية التحتية

شهدت المملكة في عهد ولي العهد طفرة غير مسبوقة في مشاريع البنية التحتية، من تطوير شبكة الطرق والمطارات، إلى إطلاق مشاريع المدن الذكية، وتحديث منظومة النقل العام. هذه الاستثمارات لم تكن مجرد تحسينات، بل كانت جزءاً من خطة شاملة لجعل المملكة مركزاً عالمياً للنقل والخدمات اللوجستية.

8. تعزيز القدرات الدفاعية والاستقلال العسكري

أدرك ولي العهد أن الأمن القومي لا يُمكن أن يعتمد بالكامل على الاستيراد العسكري، لذلك أطلق برامج توطين الصناعات العسكرية، وزيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي، مما عزز من قدرة المملكة على حماية نفسها بأدواتها الخاصة، دون الحاجة إلى تدخل خارجي في كل أزمة.

9. تحوّل القطاعات غير النفطية إلى محركات نمو

لم يكن الاقتصاد السعودي بحاجة فقط إلى تنويع، بل إلى إعادة هيكلة شاملة. في عهد ولي العهد، نمت قطاعات السياحة والترفيه والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، مما فتح آفاقاً جديدة أمام المستثمرين والشركات الناشئة، وخلق فرص عمل جديدةً للشباب السعودي.

10. الحوكمة والإصلاح الإداري

إحدى أهم النقاط التي ركّز عليها الأمير محمد بن سلمان هي إصلاح الإدارة الحكومية، وتحويل المؤسسات العامة إلى كيانات أكثر كفاءةً وشفافية. الرقمنة، قياس الأداء، وإعادة هيكلة الوزارات كانت كلها خطوات تهدف إلى خلق حكومة مرنة، قادرة على تلبية تطلعات المواطنين بفعالية ومرونة وكفاءة.

وختاماً بات جلياً أن الثماني سنوات الماضية منذ أن بايع السعوديون ولي العهد، لم تكن سنوات عادية، بل كانت مرحلة إعادة تعريف المملكة بأكملها. لم يكن الأمير محمد بن سلمان قائداً إدارياً فحسب، بل كان مهندس إرادة التغيير الذي أدرك أن البقاء في المكان نفسه يعني التراجع، وأن المستقبل يُصنع بالعمل لا بالانتظار، وأن هذا الشعب يستحق الأفضل.

كل إنجاز تحقق خلال هذه السنوات لم يكن مجرد قرار إداري، بل كان خطوة نحو المستقبل، ورهاناً على أن السعوديين يستحقون أن يكونوا في مقدمة الدول، لا مجرد أمة تستهلك النفط وتراقب الآخرين يتقدمون.

الاحتفاء ببيعة ولي العهد ليس احتفاء برمز، بل احتفاء بإنجازات تحققت، ورؤية أصبحت واقعاً، ومملكة لم تعد تُدار كما كانت، بل باتت تصنع مستقبلها بنفسها. وما تحقق حتى الآن ليس سوى البداية. فالطريق الذي شُق وسط العواصف لم يكن سوى أول خطوة نحو غدٍ أكثر حضوراً، وأكثر قوةً، وأكثر إبهاراً.

فالتاريخ لا يُكتب بالنيات، بل يُسجل بالقرارات، والأمير محمد بن سلمان لم يكن ولي عهد تقليدياً، بل كان رجل دولة أدرك أن التحديات لا تواجه بالوعود، بل بالأفعال.

أخبار ذات صلة

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق