أكد الدكتور يوسف لامبارد، أستاذ الدراسات القرآنية المُشارك، في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، أنه رغم وجود العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية، إلا أنه عند دراسة هذه المبادرات وتحليلها بعُمق نجد أنها تعتمد بشكل كبير على النموذج الغربي العلماني الذي يتجاهل العلاقة بين الإنسان وخالقه، ويُهمل القيم الربانية الدائمة التي وضعها الله سبحانه وتعالى»- وكما قال الله تعالى «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»-، هذا ما يؤكده.
وأضاف الدكتور لامبارد في تصريحات خاصة لـ «العرب» «غالبًا ما نتبنى مفاهيم مُستَورَدة من الغرب دون أن نقوم بتحليلها أو تقييمها بما يتناسب مع هويتنا وقِيَمنا. وباعتبارنا مسلمين، يجب علينا أن نُخضِع هذه الأفكار للتحليل والنقد، مع مُراعاة علاقتها بالقرآن الكريم والسُنّة النبوية، لأنهما يشكلان الأساس الذي يقوم عليه الفكر الإسلامي. بدون هذا التقييم، قد نقع في تبني نماذج وأفكار تتعارض مع القيم الإلهية التي تحفظ التوازن في علاقتنا بالبيئة».
وتابع: «على مَدارِ الثلاثين عامًا الماضية، أُطلقت آلاف المبادرات البيئية المستندة إلى الفكر العلماني، ومع ذلك، لا يزال تدمير البيئة مستمرًا بوتيرة متصاعِدة. إن المُضِيَّ في هذا المسار لا يؤدي إلا إلى ترسيخ الفساد والتلوث. ما نحتاج إليه حقًا هو نموذج فكري جديد وشامل. وتعاليمنا الإسلامية تُقدّم هذا النموذج، ليس للمسلمين فقط، بل للبشر أجمعين، لأنه دين بُعِثَ رحمة للعالمين، ويحمل في جوهره حلولًا مستدامة تنسجم مع فطرة الإنسان والطبيعة».
وأشار إلى أن مؤسسة قطر توفر برامج تعليمية متقدّمة من الماجستير والدكتوراه في البيئة المستدامة والدكتوراه في الطاقة المُستدامة عبر كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، حيث يُركز الطلاب على إجراء بحوث بيئية مبتكرة وهادفة تُركِّز على القضايا المتعلقة بدعم التنمية المستدامة. كما أطلقت المؤسسة «جزيرة الاستدامة»، وهي مركز فريد مصمم لإعادة التدوير في المدينة التعليمية هدفه تعزيز الممارسات ذات الصلة بتبني نمط حياة صديق للبيئة والتثقيف العملي في هذا المجال.
أردف الدكتور يوسف لامبارد: «دورنا كمسلمين ليس في اتباع أو تقليد طرق المجتمعات الأخرى، بل في العودة إلى كنوز تعاليمنا وتراثنا الغني لاستنباط حلول جذرية للمشاكل التي تواجه البشرية اليوم، ومنها أزمة البيئة. لقد حمّلنا الله هذه المسؤولية العظيمة عندما قال: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ». فسوف نسأل عمّا فعلنا مع هذه الكنوز».
ونوه إلى إنه في إطار إنتاج المعرفة الوطنية في هذا المجال، أطلق «إرثنا: مركز لمستقبل مستدام»، عضو مؤسسة قطر، برنامج «التعليم والأخلاق والقيم«، الذي يُركز على تعزيز القيم المشتركة حول الاستدامة والبيئة بين المجتمعات، لتقوية العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ويسهم هذا البرنامج من خلال تعزيز الوعي والثقافة البيئية في دعم النمو الشخصي والمسؤولية الاجتماعية والمواطنة العالمية التي تستند جميعها إلى مبادئ الاستدامة المستلهمة من القيم الدينية.
وأوضح «إنّ حماية البيئة ليست مجرد مسؤولية مادية، بل هي واجب ديني وأخلاقي يعكس علاقتَنا بالله وفهمَنا لآياته. إن فساد الأرض وتلويثَها ينشآن من عجزنا عن فهم آيات الله، وهذا العجز بدوره نتيجة لغياب الإيمان وفساد القلوب. فالقلب هو الأداة التي تمكِّن الإنسان من إدراك معنى الآيات الإلهية، وعندما يُختَم عليه أو يُغطّى، يفقد الإنسان قدرتَه على الفهم الصحيح. من هنا، فإن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها هي الأساس الذي يربط بين نَقاء القلب وانسجامِ الإنسان مع الطبيعة».
0 تعليق