الباحث د. سيكو مارفا توري يستعيد ذكريات الطفولة عن الشهر الفضيل: ليلة 28 رمضان نحتفل بالقرنقعوه على طريقة بوركينا فاسو

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رمضان في بلادنا له مكانة خاصة.. وما زال يحافظ على طبيعته رغم التطور
الصوم تجربة إنسانية مشتركة بين الأديان والشعوب
مع بلوغ العاشرة أدركنا أن الصيام يستمر حتى المغرب
المنافسة بيني وبين أختي الكبرى كانت من العوامل المحفزة

 

الدكتور سيكو مارفا توري الباحث في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان وهو من بوركينا فاسو يستعيد ذكريات الطفولة في رمضان، حيث تنقل بين أكثر من دولة خلال فترة الصبا ما جعله يحمل ذكريات مختلفة حسب طبيعة المكان. وأشار إلى تجربته الأولى في الصوم والتي بدأت تدريجيا منذ السابعة لتشهد منافسة مع أخته الكبرى حتى أصبح يصوم يوما كاملا في العاشرة ليتم الشهر في الحادية عشرة من العمر ويحصل على مكافآت الأهل.
وقال إن بوكينا فاسو تشهد روحانية خاصة للشهر الفصيل من خلال العبادات وصلاة التراويح وأن البيئة الأسرية المتدينة كانت أكبر دافع وراء الالتزام.
 وشدد الدكتور سيكو توري على أن الصيام يعد تجربة إنسانية تخص كل الأديان، ليعكس قيم الانضباط والتجرد والتقرب إلى الله، حيث يتشارك الجميع في فكرة الترفع عن الماديات والانفتاح على القيم الروحية والأخلاقية. وإلى التفاصيل:

◆ كيف كانت تجربتك الأولى مع الصيام؟ هل تتذكر تفاصيل ذلك اليوم؟
¶ من أجمل الذكريات التي تحضرني عن هذا الشهر الفضيل في بلدي وبين عائلتي ومجتمعي هو الخصوصية التي يمتاز بها، سواء في مرحلة الاستعداد لاستقباله أو أثناء أيامه المباركة. رغم صغري، كنت أدرك أننا على موعد مع ضيف مميز، فنعيش نشوة الأجواء بين الفرح والمرح، ونشارك في الاستعدادات والتغيرات المصاحبة له.
تجربتي الأولى مع الصيام ارتبطت بالطريقة التي تم تشجيعنا بها عليه. قبل سن السابعة، كنا نُعامل كما لو أننا نصوم كالكبار، حيث تُعد لنا والدتي وجبة الفطور بعد الاستيقاظ، ثم تقول: «لا أكل ولا شرب حتى الظهر» فنذهب إلى المدرسة معتقدين أننا صائمون، ثم نأكل فور عودتنا عند الثانية ظهرًا، أي قبل الإفطار الحقيقي بحوالي أربع أو خمس ساعات، ومع ذلك، يقال في العائلة: «فلان صام اليوم».
بعد سن السابعة، كنا نحرص على الاستيقاظ للسحور مع الصائمين، ولكن غالبًا ما يتم إيقاظنا بشكل رمزي فقط، دون تأكيد فعلي على أننا تناولنا السحور. كان هناك مرونة كبيرة، ولم يكن الأمر إلزاميًا أو صارمًا. كان صيامنا يبدأ من السحور هذه المرة لا من الفطور ويمتد حتى الظهيرة، ومع بلوغ العاشرة، بدأنا ندرك أن الصيام يستمر حتى المغرب، فكنا نحاول إكمال نصف الشهر على الأقل. كانت الأجواء مليئة بالمنافسة بين الإخوة وأبناء العمومة والخؤولة، وحتى بين الزملاء والجيران، حيث كان الجميع يتباهى بعدد الأيام التي صامها.

بداية الصيام
◆ كم كان عمرك حين صُمت لأول مرة؟ وما الذي دفعك لتجربة الصيام في ذلك الوقت؟
¶ بدأت الصيام تدريجيًا كما ذكرت، فقبل بلوغ السابعة كان صومي يبدأ بعد الاستيقاظ صباحًا وينتهي مع الظهر. بعد السابعة، أصبحت أستيقظ مبكرًا مع الكبار، مدفوعًا بحماس الأجواء الرمضانية، خاصة في لحظات السحور التي كانت تجمع بين الهدوء والنشاط.
أذكر أنني صمت أول رمضان كامل بين سن التاسعة والعاشرة، حيث بدأت في أول عام بصيام نحو ثمانية أيام، وفي العام التالي صمت نصف الشهر تقريبًا. لكن صيامي لشهر رمضان كاملًا كان في سن الحادية عشرة في بلدي قبل أن أسافر إلى سوريا للدراسة. ثم واصلت - وأنا ابن اثني عشر عامًا - صوم رمضان كاملا هناك.
الدافع الأساسي للصيام كان المشاركة في الأجواء الرمضانية الجميلة في البيت، إضافةً إلى العناية الخاصة التي كنت أحظى بها من والديّ، وتشجيعهما المستمر. كما أن المنافسة بيني وبين أختي الكبرى كانت من العوامل التي حفزتني، فقد كنت أحرص على صيام العدد ذاته من الأيام حتى لا تتفوق عليّ!.

صعوبات
◆ هل واجهت صعوبات خلال أول صيام لك؟ وكيف تغلبت عليها؟
¶ بالطبع، كان الصيام من أصعب العبادات عليّ، لأنني معتاد على تناول شيء بين كل ثلاث إلى أربع ساعات. ليس بالضرورة وجبات رئيسية، ولكن مجرد تسلية للفم! لذا، كنت أجد الأمر صعبًا، خاصة في المدرسة، حيث كانت هناك فترات استراحة منتظمة بين الحصص.

◆ من الذي شجعك أو حفزك على الصيام لأول مرة؟ وكيف كان رد فعل العائلة؟
¶ نشأت في بيت متدين، حيث كانت ملامح التدين واضحة في حياتنا اليومية. كان والداي يشجعاننا على الالتزام بالمظاهر الإسلامية، ولكن دون تشدد أو إجبار. كان الجو الرمضاني في المنزل محفزًا في حد ذاته، لكن المنافسة بيني وبين أختي الكبرى كانت من العوامل الأساسية التي دفعتني للصيام. كنت أصر على الصيام حتى إن لم أستيقظ للسحور، لمجرد أنني علمت أن أختي صامت!.

ذكريات باقية
◆ ما أكثر لحظة لا تزال عالقة في ذاكرتك من أول رمضان صمته؟
¶ من الذكريات العالقة في ذهني العناية الخاصة التي كنت أتلقاها من والديّ، حيث كنت أتلقى هدايا خاصة للصائمين، وكانوا يتحدثون عني بفخر: «ما شاء الله، صام اليوم» كما أتذكر الأجواء الرمضانية الفريدة في منزلنا، حيث كانت صلاة التراويح تُقام في باحة البيت، وكان الجيران يتجمعون للصلاة معنا. كذلك، كانت والدتي تعد وجبات خاصة للصغار الذين يصومون حتى الظهر، بالإضافة إلى إعداد الطعام يوميًا لإرساله إلى الجيران والأقارب.

◆ هل كنت تخطط لكسر الصيام سرًا في طفولتك أم التزمت به بالكامل؟
¶ دعنا نحتفظ بجواب هذا السؤال سرًا بيني وبينك، كنت أحاول المقاومة، لكن أحيانًا كنت أستسلم، خاصة قبل سن العاشرة.

◆ كيف كان شعورك عند سماع أذان المغرب لأول مرة بعد يوم طويل من الصيام؟
¶ كان شعورًا رائعًا، مزيجًا من الفرحة والراحة والفخر بإنجاز يوم من الصيام. كنت سعيدًا لأنني سأروي عطشي وأستمتع بالمأكولات الشهية التي أعدتها والدتي. كنا ننتظر الأذان بفارغ الصبر، نجلس قبل المغرب بعشر دقائق تقريبا، نراقب عقارب الساعة، بينما المائدة تمتلئ بالمأكولات، والناس يتحركون ذهابًا وإيابًا بين المطبخ والمائدة.

◆ كيف كانت أجواء رمضان في بلادكم أثناء الطفولة؟ وهل تغيرت اليوم؟
¶ رمضان في بوركينا فاسو ومالي - مع اختلافات ثقافية طفيفة- له مكانة خاصة، فهو شهر عبادة وفرح وتغيير وتضامن. كان يتميز بتجمع العائلة، وشراء الملابس الجديدة، وحضور الصلوات في المساجد، والاستماع إلى الدروس الرمضانية، خاصة دروس التفسير.
رغم أن هذه العادات لا تزال قائمة - وهي تقل يوما بعد يوما- فإن تأثير العصر الحديث واضح، سواء من حيث أنماط الحياة أو وسائل التواصل. ومع ذلك، لا يزال رمضان يحافظ على طابعه الفريد، خاصة في أجواء العائلة والمجتمع. من الطريف أن أشير إلى أن لدينا في مالي عادة مشابهة لـ»القرنقعوه» في الخليج، لكنها تبدأ من أول رمضان وتستمر فيها، وتخصص ليلة الثامن والعشرين من رمضان بعد التراويح بثقافة مشابهة لـ»القرنقعوه».

صبر وعبادة
◆ كيف أثرت تجربة الصيام الأولى على فهمك لشهر رمضان ومفهوم الصبر والعبادة؟
¶ كأطفال، لم نكن ندرك البعد الروحي للصيام، لكننا كنا نعي أنه تحدٍ يتطلب الصبر والجلد. كنا نشعر بالانتماء إلى هذا الجو الجماعي الذي يعيشه الجميع، دون استيعاب كامل لمقاصد الصيام. لكن مع مرور الوقت، ومع التجارب المختلفة والدراسة والتأمل، والتأهيل العلمي، أصبحت مقاصد الصيام ومعانيه أكثر وضوحًا، وازداد إدراكي لدوره في تهذيب النفس وتعزيز الشعور بالتضامن.

◆ واليوم، وأنت في مركز الدوحة لحوار الأديان، ما الرسالة التي يمكن أن نفهمها من الصيام وعلاقته بالأديان؟
¶ قدّر الله لي أن أعمل في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وهو رابع محطة لي بعد حصولي على الدكتوراه. رغم أن عملي الأول كان في التدريس الجامعي، فإن تجربتي الحالية في الحوار بين الأديان جعلتني أزداد إدراكا للدور الذي يلعبه الصيام في مختلف الديانات. الصيام ليس مجرد عبادة إسلامية، بل هو ممارسة روحية موجودة في معظم الديانات، وهذا واضح في آية الصيام الموجودة في سورة البقرة: «كما كتب على الذين من قبلكم». ومقصد الصوم في الإسلام -كما في الأديان الاخرى- يعكس قيم الانضباط والتجرد والتقرب إلى الله. إنها تجربة إنسانية مشتركة بين الأديان والشعوب، حيث يتشارك الجميع في فكرة الترفع عن الماديات والانفتاح على القيم الروحية والأخلاقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق