تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحدٍ جديد في أفريقيا، حيث تسعى إدارة دونالد ترامب إلى إعادة التوازن في القارة السمراء، بعد سنوات من التوسع الصيني والروسي، الذي أضعف النفوذ الأمريكي والغربي هناك. وتأتي هذه التحركات في وقت يتراجع فيه النفوذ الفرنسي والأوروبي في مستعمراتهم السابقة، مما فتح المجال أمام قوى جديدة، على رأسها الصين وروسيا، لتعزيز وجودها اقتصاديًا وسياسيًا.
الصين تتصدر المشهد الاقتصادي
في أفريقياعلى مدار 15 عامًا، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 295 مليار دولار في 2024، بزيادة 4.8% عن العام السابق. ولم يقتصر النفوذ الصيني على التجارة فقط، بل امتد إلى البنية التحتية والموارد الطبيعية والموانئ، مما منح بكين سيطرة كبيرة على اقتصادات العديد من الدول الأفريقية.
أخبار تهمك
وزارة التضامن تحتفل باليوم العالمي للتوحد تحت شعار “أنا كما أنا”
ذكرى وفاة أحمد زكي.. “النمر الأسود” الذي لا يُنسى
استثمارات الصين في أفريقيا تجاوزت 51 مليار دولار خلال عام 2024 وحده، تشمل قروضًا ومنحًا وتطوير مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى امتلاكها 31% من المشروعات الكبرى في القارة، مقارنة بـ 12% فقط للشركات الغربية، وهو تحول كبير عن تسعينيات القرن الماضي، حين كانت الشركات الأمريكية والأوروبية تهيمن على 85% من مشاريع البناء في أفريقيا.
لم تكتفِ بكين بالاستثمارات فقط، بل وسعت نفوذها في قطاع الموارد الطبيعية، حيث تسيطر على نسبة كبيرة من مناجم الكوبالت والليثيوم والنحاس، وهي معادن حيوية لصناعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة. على سبيل المثال، تمتلك الشركات الصينية حصة كبيرة من مناجم الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، مالي، بوتسوانا، وزامبيا، مما يمنحها تفوقًا استراتيجيًا في سباق الموارد العالمية.
واشنطن تدخل المواجهة.. وترامب يسعى لتعديل المسار
مع تنامي النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا، تجد واشنطن نفسها أمام ضرورة إعادة تقييم استراتيجيتها في القارة، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، بوركينا فاسو، مالي، وتشاد، مما أدى إلى تراجع النفوذ الغربي، وترك فراغًا استغلته الصين وروسيا بسرعة.
إدارة دونالد ترامب تتبنى نهجًا أكثر صرامة تجاه التوسع الصيني، حيث تسعى إلى:
تعزيز الشراكات الاقتصادية المباشرة مع الدول الأفريقية، بعيدًا عن الإرث الاستعماري الأوروبي، تقديم استثمارات أمريكية تنافسية لمواجهة التمويلات الصينية، التي تُستخدم لتعزيز النفوذ السياسي لبكين.
إعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية لتعزيز الحضور الأمريكي في القارة، ويبدو أن واشنطن بدأت تدرك أهمية التواصل المباشر مع القادة الأفارقة، بدلًا من الاعتماد على الوساطات الأوروبية، خصوصًا في ظل تدهور صورة فرنسا في القارة، بسبب سياساتها الاقتصادية والعسكرية التي أثارت استياء العديد من الشعوب الأفريقية.
فرنسا.. من الهيمنة إلى الانسحاب
لطالما كانت فرنسا القوة المهيمنة في العديد من الدول الأفريقية، حيث حافظت على نفوذها الاقتصادي من خلال الفرنك الأفريقي، الذي كان مرتبطًا بـ اليورو، وأجبرت 14 دولة أفريقية على إيداع نصف احتياطاتها من النقد الأجنبي في الخزانة الفرنسية حتى عام 2019. لكن مع تصاعد المشاعر المعادية للاستعمار، بدأت باريس تفقد قبضتها على القارة.
فقدت شركة أورانو الفرنسية حقوق استخراج 20% من اليورانيوم في النيجر بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة في يوليو 2023، كما تواجه شركات كبرى مثل توتال إنرجيز ومجموعة أورانج تحديات مالية متزايدة، تتضمن فرض ضرائب جديدة وخسارة عقود حكومية لصالح منافسين صينيين وروس.
التراجع الفرنسي ترك فراغًا كبيرًا في أفريقيا، استغلته بكين وموسكو بسرعة، في حين اكتفت واشنطن بالمراقبة عن بعد، قبل أن تتبنى إدارة ترامب نهجًا جديدًا يسعى إلى استعادة النفوذ الأمريكي في القارة.
هل ينجح ترامب في قلب المعادلة؟
التحدي أمام واشنطن ليس سهلاً، حيث تعتمد الصين على سياسة “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” للدول الأفريقية، وهو ما يجعلها أكثر قبولًا لدى القادة الأفارقة مقارنة بالولايات المتحدة، التي تشترط الالتزام بـ الديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل التعاون الاقتصادي.
لكن مع احتدام المنافسة بين القوى الكبرى، يبدو أن القارة السمراء ستظل محورًا رئيسيًا في المعركة الجيوسياسية العالمية، والسؤال الأهم: هل يستطيع ترامب قلب المعادلة واستعادة الهيمنة الأمريكية في أفريقيا؟ أم أن الصين وروسيا ستواصلان تعزيز قبضتهما على القارة؟
0 تعليق