
قادة عسكريون أوكرانيون وأميركيون وبريطانيون خلال اجتماع في أوكرانيا
على وقع هدير المدافع والانفجارات، ولدت شراكة خفيّة غيّرت مسار الحرب في أوكرانيا، حاملةً في طيّاتها أسراراً ستراتيجية غير مسبوقة.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فإنه لم تكن هذه الشراكة مجرد دعم عسكري تقليدي، بل هي تحالف معقد نسج خيوطه بعيداً عن الأضواء، بين قادة عسكريين أوكرانيين يائسين للدفاع عن أرضهم، ونظرائهم الأميركيين الساعين لاختبار حدود التدخل غير المباشر في عصر تهديدات الأسلحة النووية.
انطلق هذا التعاون السرّي في ربيع عام 2022، عندما اجتاحت الدبابات الروسية الأراضي الأوكرانية، وبدت كييف على شفا الانهيار.
في تلك اللحظات الحرجة، لم تكن الأسلحة الغربية وحدها هي التي وصلت، بل وصل معها مخططون استخباريون وخبراء لوجستيون، عملوا من خلف الكواليس في قاعات مغلقة بألمانيا، لتحويل أوكرانيا إلى ساحة اختبار لحرب القرن الحادي والعشرين.
هنا، حيث التقت الحاجة الأوكرانية الملحّة بالحذر الأميركي المُفرط، بدأت رحلةٌ من الانتصارات المُذهلة، والخلافات المريرة، والمخاوف من مجهولٍ يلوح في الأفق.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من القتال، تكشف هذه الشراكة عن تناقضاتها: نجاحات تكتيكية مبهرة في مواجهة إخفاقات ستراتيجية، وثقة متبادلة تارةً وشكوكٌ عميقة تارةً أخرى، وحربٌ لا تُنهي نفسها بنفسها، بل تترك أسئلةً مصيريةً عن ثمن النصر وهويّة المنتصر.
وفي الوقت الذي تتأرجح فيه أوكرانيا على حافة الهاوية، وتتغير التحالفات العالمية كقطع الشطرنج، تبقى قصة هذه الشراكة شاهدةً على كيف تُصنع الحروب بالوكالة، وكيف تُعيد الجغرافيا السياسية تشكيل نفسها في عصرٍ لا يعترف إلا بالأقوياء.
البداية: اللقاء السري في فيسبادن
في مقر الجيش الأميركي في فيسبادن بألمانيا، اجتمع الجنرال الأوكراني ميخايلو زابروتسكي مع الجنرال كريستوفر دوناهو لوضع خطة سرية لدعم أوكرانيا.
وتَمحورت الخطة حول تزويد الجيش الأوكراني بمدفعية M777 وذخائر عيار 155 ملم، وإنشاء مركز استخباراتي مشترك لتوجيه الضربات الدقيقة ضد القوات الروسية.
كان الهدف الخفي هو تحويل أوكرانيا إلى "مختبر حي" لاختبار تكتيكات الحرب الحديثة دون تدخل عسكري أميركي مباشر، تجنباً لتصعيد نووي مع روسيا.
إنجازات الشراكة: من الانتصارات إلى التحديات
حققت الشراكة سلسلة من النجاحات المبهرة باستخدام بيانات الأقمار الصناعية والتنصت كما شنت هجمات مدعومة بوكالة المخابرات المركزية على ميناء سيفاستوبول في القرم، حيث أغرقت سفن حربية روسية وأجبرت الأسطول على الانسحاب.
ولم تكن هذه الضربات ممكنة دون الدعم الاستخباري الأميركي، الذي وفّر معلومات حيوية عن تحركات القوات الروسية.
لكن الإنجاز الأبرز كان إغراق السفينة الحربية الروسية موسكفا في أبريل 2022. فبعد رصد الاستخبارات الأميركية تحركات السفينة، شاركت الموقع مع الأوكرانيين الذين أغرَقوها بصواريخ "نبتون".
هذه الحادثة كشفت توتراً مبكراً في الشراكة: فبينما غضبت واشنطن لعدم إخطارها مسبقاً، شكّكت كييف في نوايا الحليف، خاصة بعد سحب الولايات المتحدة دبلوماسييها قبل الغزو.
الصدوع في التحالف: ثقافة الاختلاف والصراعات
سرعان ما ظهرت خلافات عميقة بين الطرفين، فمن جانبهم، رأى الأوكرانيون أن الأميركيين "متسلطون" ويحدّون من طموحاتهم العسكرية، مثل رفض تزويدهم بصواريخ بعيدة المدى خوفاً من تصعيد الحرب.
في المقابل، انتقد الأميركيون "المطالب غير الواقعية" لأوكرانيا وترددها في حشد القوات لتعويض النقص البشري.
وتعاظم التوتر مع اندلاع الخلاف الداخلي الأوكراني بين الرئيس زيلينسكي وقائد الجيش زالوجني.
فبينما أصر زيلينسكي على استعادة مدينة باخموت المدمرة، حذّر الأميركيون من أنها "مصيدة استنزاف".
وانتهت المعركة بخسائر فادحة وفشل الهجوم المضاد، مما كشف عن انقسامات استراتيجية قاتلة.
الخط الأحمر النووي: لعبة التصعيد المحفوفة بالمخاطر
واجهت الشراكة تحدياً وجودياً يتمثل في تجنب تجاوز الخطوط الحمراء لروسيا، ففي البداية، فرضت واشنطن قيوداً صارمة بمنعها أوكرانيا من شن ضربات تستهدف عمق الأراضي الروسية، وحظرت نشر مستشارين عسكريين أمريكيين قرب خطوط القتال.
لكن الضغوط الميدانية أجبرت إدارة الرئيس السابق جو بايدن على التراجع تدريجياً، وسُمح بضربات محدودة داخل روسيا، مثل استهداف مصافي النفط، وأُرسل مستشارون إلى كييف لدعم التخطيط اللوجستي، وسط مخاوف من رد فعل نووي روسي.
الدروس المُكتسبة: أوكرانيا كـ"حرب بالوكالة"
مثّلت أوكرانيا مختبراً لتكتيكات الحرب الحديثة، فقد أثبتت الأسلحة الغربية، مثل صواريخ هايمارس، فاعليتها ضد جيش تقليدي كالروس، رغم تصميمها الأصلي لمكافحة الجماعات المسلحة.
كما كشفت الحرب عن ثغرات في الجيش الروسي، مثل انعدام الأمن السيبراني وضعف التنسيق بين الوحدات.
اليوم، تواجه الشراكة مصيراً غامضاً، فبينما يهدد ترامب بوقف التمويل ويرفض تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا ما بعد الحرب، يعوّل بوتين على استنزاف الغرب لفرض تسوية تكرّس السيطرة الروسية على الأراضي المحتلة.
ومن جانبها، تُصارع أوكرانيا للحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية، وهي تترنح تحت وطأة خسارة 435 ألف جندي (وفق تقديراتها).
0 تعليق