تنويع المرافق الرياضية العامة: تنمية صحية بتكلفة ذكية

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التوجه الوطني نحو تعزيز الصحة العامة وجودة الحياة، أصبح من الضروري أن تتبنى البلديات استراتيجية واضحة لتنويع المرافق الرياضية العامة، وعدم حصرها في ملاعب كرة القدم التقليدية. فرغم أهمية كرة القدم وشعبيتها الواسعة، إلا أن الواقع يثبت أن اهتمامات المجتمع الرياضية متباينة ومتنوعة، وتلبيتها تتطلب مرافق رياضية متعددة تلائم مختلف الفئات والأعمار.

تشير التجارب المحلية والدولية إلى أن إنشاء مرافق مثل ملاعب كرة السلة، الطائرة، التنس، البادل، وحتى الرياضات المائية، يحقق مردودا مجتمعيا أكبر من الاعتماد على نوع واحد من الأنشطة. كما أن الطلب على هذه الأنشطة في تزايد ملحوظ، خاصة مع دخول فئات جديدة من النساء والشباب والأطفال في نمط الحياة الرياضي اليومي.

ولعل من الملاحظ أن كثيرا من حدائق الأحياء اليوم تكاد تخلو من الزوار، لا لضعف المساحة أو قلة التشجير، بل لغياب نقاط الجذب الحقيقي مثل الملاعب المتنوعة أو الأنشطة الحركية التي تشجع الناس على القدوم والمشاركة. إن وجود ملعب بادل صغير أو ساحة كرة طائرة أو حتى طاولة تنس خارجية كفيل بجذب الأطفال والعائلات، وبث الحياة في هذه المساحات العامة.

من الناحية الاقتصادية، يعتقد البعض أن تنويع هذه المرافق مكلف أو غير مجدٍ، ولكن الحقيقة أن تكلفة إنشاء ملاعب مثل البادل أو السلة أو التنس أقل أو مماثلة لتكلفة ملعب كرة قدم واحد، الذي يحتاج عادة إلى مساحة أكبر وصيانة أعقد. وباستخدام التصميم الذكي للمساحات، يمكن للبلديات إنشاء عدة مرافق رياضية صغيرة في المساحة نفسها المخصصة عادة لملعب كرة قدم، مما يضاعف عدد المستفيدين ويرفع من كفاءة استخدام الأرض.

توفير هذه المرافق في الحدائق العامة والأحياء السكنية لا يسهم فقط في تعزيز الرياضة، بل يدعم أهداف الرؤية الوطنية في الوقاية الصحية، وتقليل معدلات الأمراض المزمنة مثل السمنة والسكري، وهو ما ينعكس مباشرة على تقليل الإنفاق الصحي على المدى البعيد. كما أن هذه الخطوة تعزز من الجاذبية السكنية للأحياء، وترفع من قيمة الأراضي والمشاريع العقارية حولها.

وفي هذا السياق، نشيد بالاتفاقية الموقعة بين وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان والاتحاد السعودي للرياضة للجميع، والتي تهدف إلى تفعيل استخدام الحدائق العامة كمراكز للأنشطة الرياضية المجتمعية المستدامة. هذه الشراكة تمثل نموذجا واعدا للتكامل بين القطاعات، وتفتح المجال أمام تفعيل شامل للمرافق الحالية، وتوجيه الاستثمارات نحو تنويعها وتطويرها بما يخدم جميع فئات المجتمع.

كما أن التعاون والتنسيق بين البلديات، ومراكز الأحياء، وفروع وزارة الرياضة في المناطق يُعد عنصرا جوهريا في إنجاح هذه المبادرات. من خلال هذا التكامل، يمكن تصميم برامج مجتمعية فعالة، وتنظيم بطولات دورية، وتوفير كوادر تدريبية تشجع على الاستخدام المستدام للمرافق. ومن جانب آخر فإن هذه المشاريع قد تفتح الباب أمام اكتشاف المواهب الرياضية المحلية وصقلها منذ سن مبكرة، مما يرفد الأندية والمنتخبات الوطنية بكفاءات رياضية واعدة.

تنويع المرافق الرياضية هو ركيزة أساسية لبناء مجتمع نشط وصحي ومستدام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق