المشاريع الصغيرة... بدائل اقتصادية حقيقية

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الوقت الذي تمضي فيه دول الخليج قُدماً بخطى ثابتة نحو تنويع مصادر دخلها وتحرير اقتصادها من الاعتماد شبه الكلي على النفط، تبقى الكويت عند مفترق طرق، تبحث عن موقعها بين هذا الحراك المتسارع. غير أنني أؤمن، وبكل ثقة، أن الفرصة لا تزال قائمة، بل أقرب إلينا مما نتصور. فثروتنا الحقيقية لا تكمن في آبار النفط، بل في عقول أبنائنا.

جيل الشباب في الكويت اليوم يختلف تماماً عن الأجيال السابقة. نحن أمام جيل واعٍ، مثقف، طموح، لا ينتظر الوظيفة الحكومية التي قد تأتي بعد سنوات من الانتظار، بل يسعى لصنع مستقبله بنفسه. أصبح مفهوم الأمان مرتبطاً بالاستقلالية، والنجاح يقاس بالابتكار، لا بعدد سنوات الخدمة.

المشاريع الصغيرة، التي قد يراها البعض "موضة" عابرة، تعكس في حقيقتها نقلة ثقافية واقتصادية لافتة. المقاهي المختصة، على سبيل المثال، ليست مجرد محال لبيع القهوة، بل منصات للإبداع، يعبر من خلالها الشباب عن شغفهم بالتفاصيل والتميز. أما التطبيقات الذكية، فقد تجاوزت كونها أدوات ترفيه، لتصبح حلولاً مبتكرة لمشكلات واقعية، أبدعها شباب عاشوا التحديات، وقرروا مواجهتها لا التذمر منها.

شخصياً، أعرف شباباً بدأوا من الصفر، وبجهدهم وثباتهم أصبحوا رواداً لأعمالهم، يقودون مشاريعهم بثقة، ويصنعون فرقاً في مجتمعهم. لا يملكون رؤوس أموال ضخمة، لكنهم يمتلكون ما هو أثمن: الشغف، والإصرار، والرؤية.

ورغم هذا الزخم الإيجابي، يبقى السؤال الأهم: هل الدولة مواكبة لهذا التحول؟ هل منظومة القوانين والتشريعات تسهّل الطريق أم تعرقله؟ هل مناخ ريادة الأعمال في الكويت يعكس حجم الطاقات الموجودة فعلاً؟

ما نحتاجه اليوم هو بيئة تشريعية مرنة، تسهّل لا تعقّد، تشجع لا تُحبط. نحتاج إلى احتضان حقيقي لأفكار الشباب، وليس تسويقاً إعلامياً مؤقتاً. فالمستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع، وشباب الكويت قد بدأوا فعلاً في صنعه، مشروعاً تلو الآخر، خطوة تلو الأخرى.

الريادة لم تعد رفاهية، ولا حكراً على فئة معينة. الريادة اليوم أسلوب حياة، وربما السبيل الأهم نحو اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة. والكويت، إن أرادت أن تبقى في موقع الريادة بين شقيقاتها في الخليج، فعليها أن تؤمن بشبابها كما آمنوا هم بأنفسهم.

في خضم المتغيرات الاقتصادية العالمية، تبرز الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين كأحد أبرز التحديات التي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على حركة التجارة العالمية وأسعار المواد الخام. انعكاسات هذه الحرب لم تقتصر على الكبار، بل وصلت أصداؤها إلى الاقتصادات الناشئة، ومنها الكويت.

ومع تقلبات السوق العالمي، بات من الضروري أن نبحث عن بدائل اقتصادية حقيقية تضمن استقرارنا على المدى الطويل. وأحد أهم هذه البدائل هو الاستثمار في الإنسان، في قدرات الشباب، وفي دعم ثقافة الريادة والابتكار. فحين يكون العالم منشغلًا بالصراعات التجارية، نستطيع نحن أن نكون منشغلين ببناء اقتصاد محلي قوي ومستقل، يرتكز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي يصنعها الشباب بعقولهم وأيديهم.

تشجيع الشباب على الدخول في عالم الأعمال لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية. يجب أن يكون لدينا منظومة متكاملة تشجع على الابتكار، وتحفز على المخاطرة المحسوبة، وتمنح الثقة والدعم للمبادرين. ففي ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية، الريادة هي طوق النجاة الذي يعيد تشكيل اقتصادنا على أسس أكثر متانة واستدامة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق