الأرض بين التنمية العمرانية والتجارة العقارية!!

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استبشرنا خيرا بصدور توجيه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، باتخاذ إجراءات عملية حازمة لتحقيق التوازن في القطاع العقاري بمدينة الرياض. أكدت هذه التوجيهات الكريمة على إصلاح السوق العقاري بشكل يضمن التنمية العمرانية والتوازن في الأسعار بما يحقق المصلحة العامة. وشملت هذه التوجيهات ضخ مساحات من الأراضي في السوق وتوفير أراضٍ سكنية بأسعار ميسرة ترتبط بضوابط تؤكد على تطويرها بالبناء النفعي. كما شملت التوجيهات تنظيم السوق الإيجاري وبرنامج رسوم الأراضي البيضاء لزيادة المعروض العقاري، ومكافحة الاحتكار، وتمكين المواطنين من امتلاك السكن الملائم لتعزيز جودة حياتهم.

كباحث في مجال التخطيط العمراني أنظر دوما إلى الأرض باعتبارها أداة أو وسيلة للبناء النفعي والتطوير الذي يسهم في تحقيق التنمية. أتفهم أن يكون هناك استثمار في منتجات عقارية ومنافسة بين شركات التطوير العقاري لتوفير بيئات سكنية وخدمات وفرص عمل تنتعش معها صناعة البناء والمقاولات. ولكني لا أستطيع استيعاب فكرة شراء الأرض والاحتفاظ بها ثم مداولتها بين التجار بهدف رفع سعرها.

المدن تحتاج إلى الأرض للبناء والتعمير والأرض متوفرة وبمساحات شاسعة؛ فالمناطق الحضرية تمثل أقل من 1% من مساحة اليابسة التي نعيش فيها. الأرض وحدها هي أشبه بكيس البلاستيك الذي يوضع لاحتواء المنتجات التي نشتريها من السوق؛ ولكنها شيء أساسي فلا يمكنك حمل المنتجات أو السلع الاستهلاكية في الفضاء بلا كيس. وعليه فإن احتكار هذا الكيس البلاستيكي يمكن أن يتسبب بأزمة كبرى. نعم امتلاك الأرض أمر غاية في الأهمية؛ لأن الاحتكار يتسبب بتعطيل تدوير المنتجات في السوق فلا يمكن شراء هذه المنتجات بلا وعاء قادر على حملها وهو الأرض.

إن احتكار الأرض هو تعطيل للتنمية العمرانية فوجود أراضي فضاء شاسعة داخل النطاق العمراني ومخدومة بشبكات المرافق العامة وقريبة من المناطق الحيوية يزيد من سعرها مع مرور الزمن. تنمو المدن استجابة للتحولات الاقتصادية وتزداد الهجرة إلى المدن الكبرى نتيجة تمتعها بخدمات وبنية تحتية ومنظومة اتصالات عالية قادرة على جذب السكان وخاصة فئة متوسطي الدخل والمتزوجين حديثا.

يتدفق السكان والسياح إلى المدن الكبرى ويزداد الطلب على هذه الأراضي يوما بعد يوم، ويتم مداولتها بين التجار بأسعار فلكية دون نية حقيقية لإعمار الأرض. وهكذا ومع تمدد المدن تصبح هذه الأراضي الأكثر طلبا نتيجة قربها من المناطق الحيوية والمشاريع الكبرى وتتضخم أسعارها. عندئذ تصبح عملية البيع والشراء تجارة رائجة ومدرة للأرباح. أتساءل ما هو فن الصناعة التي تنتجها عملية احتكار أو تخزين هذه الأراضي على مدار عقود من الزمن وجني الأرباح الطائلة.

هل ساهمت هذه الأراضي الفضاء بصناعة وظائف أو فرص عمل أو إنتاج حقيقي؟ إن فكرة شراء الأرض والمضاربة العقارية لجني الأرباح هي وسيلة للحصول على الثروة بمعزل عن الإنتاج الصناعي الحقيقي. ومن هنا يتجلى دور التخطيط العمراني في سياق تحقيق «المصلحة العامة» وقيادة السوق بداية من استيعاب التباين في الدخل بين السكان، وتقدير سعر المسكن الميسر وضخه في السوق بكميات وفيرة تساهم في استقرار الأسعار.

ختاما، فإن إصلاح السوق العقاري بدأ حتى لا يكون سوق الأراضي هو المحرك الرئيس الذي يتحكم في توزيع السكان داخل المدن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق