اعتقال مسؤول في «الشاباك» يشعل أزمة سياسية.. كيف تسعى إسرائيل لإخفاء ما يحرجه الحوثيون؟

جريدة الفجر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع تصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.. سعى حثيث لحماية صورة الكيان الصهيوني

في توقيت بالغ الحساسية، وبينما تهتز أروقة السلطة في إسرائيل تحت وطأة الفشل الأمني وتدهور الثقة الشعبية، انفجرت قضية جديدة هزت أركان جهاز الأمن العام (الشاباك). اعتقال مسؤول كبير في الجهاز بتهمة تسريب وثائق حساسة فجّر جدلًا واسعًا حول حرية التعبير، حدود الرقابة، والانقسام العميق بين الحكومة والأجهزة الأمنية.
القضية لا تقف عند مجرد تسريب، بل تسلط الضوء على محاولات إسرائيل المتواصلة لحجب الأزمات الداخلية، خاصة تلك التي تعري عجزها أمام تهديدات خارجية، وعلى رأسها الضربات الدقيقة والمربكة التي يوجهها الحوثيون في البحر الأحمر، والتي باتت تمثل إحراجًا بالغًا للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

تسريب يُشعل فتيل المواجهة
شكّل اعتقال مسؤول كبير في جهاز «الشاباك» الإسرائيلي بتهمة تسريب وثيقة حساسة، فصلًا جديدًا من الصراع المتفاقم بين رئيس الجهاز رونين بار وحكومة بنيامين نتنياهو. الوثيقة التي تم تسريبها تتعلق بتحقيق داخلي حول تغلغل عناصر يمينية متطرفة تنتمي إلى "الكاهانيين" داخل الشرطة الإسرائيلية – وهو ملف شديد الحساسية لما له من أبعاد سياسية وأمنية تمس جوهر الدولة العبرية.

الوثيقة، حسب ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية، وصلت إلى وزير شؤون الشتات أميخاي شيكلي، والصحفي الاستقصائي عميت سيغال، والصحفية شيريت كوهين أفيتان، ما أشعل عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة. اللافت أن المشتبه به لم ينكر التسريب، لكنه برره بأنه "كشف ضروري يخدم المصلحة العامة دون المساس بالأمن القومي"، وهو ما فتح بابًا جديدًا للسجال حول حدود حرية التعبير داخل الأجهزة الأمنية.

ما لا تريد إسرائيل أن يُقال


القضية لا تنفصل عن سياق سياسي وأمني أوسع، إذ تتهم أطراف في المعارضة حكومة نتنياهو بمحاولة تحميل الشاباك مسؤولية الفشل الذريع في إحباط هجوم "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، الذي قادته حركة حماس، وترك آثارًا كارثية على إسرائيل داخليًا وخارجيًا. يأتي ذلك في وقت يتزايد فيه الضغط الشعبي والدولي على الحكومة، خاصة بعد الفشل في صد هجمات الحوثيين، الذين واصلوا ضرباتهم النوعية على سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.

اللافت أن الإعلام الإسرائيلي الرسمي، في حين يغرق في تفاصيل التحقيق وتسريب الوثيقة، يتجاهل إلى حد كبير استهداف الحوثيين المستمر للمصالح الإسرائيلية، وهي ضربات لم تنجح المؤسسة الأمنية في وقفها رغم كل الدعاية العسكرية. وتسعى إسرائيل، من خلال فرض أوامر حظر نشر مشددة، إلى إبعاد الأنظار عن هذا الإحراج المتصاعد، وتسويق صورة مغايرة لواقع أمني مأزوم.

«دولة عميقة» أم تصفية حسابات؟

وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي له تاريخ مع حركة «كاخ» المتطرفة – وهي نفس الحركة التي تورط أعضاؤها في الوثيقة المسربة – صب الزيت على النار عندما زعم أن الاعتقال يأتي ضمن "مؤامرة تشنها الدولة العميقة" ضده، وضد شخصيات يمينية أخرى. واتهم بن غفير رئيس الشاباك والمدعية العامة ورئيسة جهاز المخابرات بمحاولة "اغتياله سياسيًا" عبر تسريبات وتحقيقات مفبركة.

بن غافير
بن غافير

بن غفير، الذي لا يخفي تعاطفه مع الكاهانيين رغم زعمه التخلي عنهم، وصف التسريبات بأنها "كشف للحقائق"، منتقدًا الأوامر التي تمنع نشر تفاصيل التحقيق باعتبارها تغطية على فشل المؤسسة الأمنية. أما عضوة الكنيست تالي غوتليف، فخرقت أوامر الحظر علنًا، مدعية أن الأمر لا يتعلق بالأمن بل بحماية رئيس الشاباك من النقد.

ما وراء الستار: الحوثيون في المعادلة

الحوثيون في المعادلة
الحوثيون في المعادلة


في خضم كل هذا الغليان، لا يمكن تجاهل التوقيت الذي تفجرت فيه هذه الأزمة. فبينما تتخبط إسرائيل في مواجهة سلسلة من الهزات الأمنية، تأتي هجمات الحوثيين لتزيد الطين بلة. ضربات متكررة ودقيقة تستهدف الملاحة الإسرائيلية، وتكشف فشل المنظومات الدفاعية في توفير الردع المطلوب. هذه الهجمات التي توصف في الإعلام العبري بـ "التهديد الصامت"، تُمارس ضغوطًا غير مسبوقة على القيادة السياسية، وتدفعها لمحاولة صرف الانتباه نحو قضايا داخلية أمنية، وتقييد أي تسريبات من شأنها كشف مواطن الفشل.

وبينما تسعى القيادة الإسرائيلية إلى معاقبة من يسرب الوثائق التي تفضح إخفاقاتها، يغيب النقاش الجاد حول أداء الأجهزة في مواجهة التهديد الحوثي المتصاعد. ويبدو أن ما يُخشى الكشف عنه أكثر من أي شيء آخر، هو أن بعضًا من الضربات التي تنجح في اختراق الدفاعات الإسرائيلية لم تكن متوقعة، ولم تكن هناك تحذيرات مسبقة بشأنها – ما يُعيد إلى الأذهان نفس ثغرات "طوفان الأقصى".

انقسام داخلي... وصورة مهتزة


الحدث، بكل تفاصيله، يعكس الانقسام العميق داخل مؤسسات الدولة الإسرائيلية. فبين قوى أمنية تحاول الحفاظ على مهنيتها، وحكومة تسعى للسيطرة الكاملة على السردية الأمنية والإعلامية، تضيع الحقيقة بين تضارب الروايات. التسريب، سواء أكان جريمة أم ضرورة وطنية، يفتح الباب على مصراعيه للنقاش حول التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وضرورات الأمن القومي.

لكن الثابت، أن إسرائيل – كما يرى بعض المحللين – في طريقها لفقدان السيطرة على صورتها الخارجية، إذ تتوالى الضربات وتتكشف الفضائح، بينما الإعلام الرسمي يسعى للتهوين والتعتيم، وهو ما قد يجعلها عرضة لمزيد من الضغوط والعزلة الدولية.


القضية ليست فقط تسريبًا لوثيقة، بل مرآة تعكس أزمة نظام، وصراع سلطات، وفشل في مواجهة تهديدات متصاعدة من الداخل والخارج. وفي ظل استمرار الضغوط وغياب الشفافية، تبقى الأسئلة معلقة: هل ستنجح إسرائيل في كتم الأصوات التي تفضح إخفاقاتها؟ أم أن حجم التحديات – من حماس إلى الحوثيين – أصبح أكبر من أن يُدار بحملات تكميم أو تبادل للاتهامات؟

ختامًا، وعلى جانب آخر، تسلّمت حماس مقترحًا جديدًا من الجانب الإسرائيلي، يتضمن هدنة مؤقتة مدتها 45 يومًا، يتم خلالها الإفراج عن 10 رهائن إسرائيليين مقابل مئات المعتقلين الفلسطينيين. ويهدف هذا الإطار إلى فتح الباب أمام مفاوضات قد تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، لكنه في الوقت ذاته يتضمن شروطًا شديدة الحساسية، أبرزها نزع سلاح غزة، وهو مطلب ما دام وصفته الحركة بأنه "خط أحمر" غير قابل للنقاش.

الوضع في غزة
الوضع في غزة


فهل تصنع إسرائيل هالة وتؤجج المواقف وتثير الشروط لإخفاء خيْبة ضخمة على صعيدٍ آخر، لا سيما بعد نقص كبير في أعداد الجنود الإسرائيليين، أدّى نحو عجز يحول دون تحقيق طموحات حكومة نتنياهو في غزة؟

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق