وهو الأصل لما رواه عكرمة بقوله «طاف النبي عليه الصلاة والسلام بالبيت على بعيرٍ، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر»، خاصة في ظل الأعداد الهائلة من الحجاج والمعتمرين والزوار، وأفتى الشيخ عبدالمحسن العبيكان في صحيفة المدينة 2009م بأنه يجوز تجنب تقبيل الحجر الأسود، وتكفي الإشارة باليد وهذا هو المتواتر في حق هذا الحجر دينياً وصحياً.
وقد نسب إلى سيدنا عمر على خلاف في ذلك قوله: «أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتك».
هذا القول خبر آحاد وخبر الآحاد ظني، وهناك حشد هائل من الآيات المحكمات والنصوص قطعية الثبوت والدلالة، لا يفيد العلم الضروري والعقائد لا تحتمل الظن، فلا بد من المتواترات قطعية الثبوت والدلالة من الكتاب والسنة، فتقبيل الرسول عليه الصلاة والسلام للحجر كان أمام ألوف من المسلمين تطوف معه في فتح مكة وهو مما تتداعى الأمور لنقله، ولا يمكن كتمانه، فهل كلها لم تره وهو يقبّل الحجر؟
الأصل أن ينقل مثل هذا الخبر (إن وقع) جمعٌ من الصحابة، قال ابن الهمام في التحرير إنه مما يوجب إيقاف العمل بالحديث إذا تفرّد مخبرٌ بما شاركه بالإحساس خلق كثير مما تتوافر الدواعي على نقله.
وروى البخاري حديثاً آخر لابن عباس بقوله طاف النبي بالبيت على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه. وطواف الرسول عليه الصلاة والسلام كان على راحلته نقله جمع غفير من الصحابة، منهم ابن عباس وجابر بن عبدالله وصفية بنت شيبة وأم سلمة.
ولا يستقيم القول بتقبيل الحجر إذا كان عليه الصلاة والسلام يطوف على راحلته؛ لأن هذا يتطلب وقوف الراحلة وتبريكها أرضاً ونزوله عليه الصلاة والسلام من على ظهرها والاتجاه نحو الحجر وتقبيله، فعل مثل هذا في حشد بلغ 100 ألف أو يزيد لا بد أن يرويه جمع من الصحابة ولا يتفرد به سيدنا عمر وحده. فالمرجّحات العقلية والنقلية لحديث ابن عباس أقوى.
والأصل فيها العقل قبل النقل قال تعالى: «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ». فالمشركون يعرفون الخالق قبل مجيء الرسل إليهم؛ لأن العقل أصل قبل النقل في العقائد، وأتى استخدام العقل في معرفة الله وتوحيده في أكثر من 65 موضعاً في القرآن الكريم، والذين نسبوا تقبيل الحجر إلى سيدنا عمر، نسبوه أيضاً إلى سيدنا علي فقالوا إن علياً قال لعمر إن هذا الحجر يضر وينفع!
فالواجب في حق القائمين على رئاسة الحرمين الشريفين توعية الناس في عدم التزاحم من أجل تقبيل الحجر الأسود والتدافع حوله والوقوف عنده لساعات وتعطيل حركة الطواف ما يؤدي إلى تكدس الطائفين ووقوع بعضهم على بعض معرضين أنفسهم للخطر، وكأنه من شروط الطواف لا يصح إلا به، خاصة أمام الملايين الوافدة إلى مكة المكرمة في كل عام، خاصة بعد فتح أبواب العمرة طوال العام وموسم الحج. فالتوعية وإرشاد الناس أمر ضروري ومهم، خاصة أن المكان محدود، فالتوسعة الفقهية مطلوبة في ظل الجهود المباركة للدولة السعودية جزاها الله كل خير.
أخبار ذات صلة
0 تعليق