ملايين المسلمين من شتى بقاع العالم يؤدون فريضتي الحج والعمرة بأمان وطمأنينة وتنظيم دقيق لا يُمكن إلا أن يُشاد به ويُحترم، خاصةً في ظل التحديات الأمنية والصحية واللوجستية التي تفرضها مثل هاتين الشعيرتين، لكن وللأسف، هناك من لا يُقدّر هذه الجهود الجبارة، ويظن أن «الفهلوة» يُمكن أن تحقق له مكاسبَ حتى في أعظم شعيرة إسلامية. وهذا ما حدث مؤخراً مع مجموعة من المخالفين لأنظمة الحج والعمرة الذين وصلوا إلى الأراضي السعودية عبر تأشيرات ترانزيت لا تمنحهم الحق في أداء العمرة، وأثاروا الفوضى والضجيج عند وصولهم متجاوزين الأنظمة والتعليمات الصريحة التي وضعتها المملكة لتنظيم هذه الشعيرة وضمان سلامة وأمن الجميع.
من الواضح تماماً أن ما حدث ليس سوء فهم، بل محاولة متعمّدة لتجاوز الأنظمة. فتأشيرات الترانزيت معروفة ومحددة الغرض، ولا تسمح بأي حال من الأحوال بأداء الحج أو العمرة والبقاء لمزاحمة الحجاج النظاميين ومع ذلك يحاول البعض التحايل، وكأن عبادة الله يمكن أن تُمارس بأساليب ملتوية، وكأن الحج أو العمرة يُمكن أن يُؤديان بالخديعة، وليس بالنية الخالصة، والوسيلة المشروعة، والالتزام التام بالنظام.
المؤسف في الأمر أن هؤلاء المخالفين لا ينتهكون فقط الأنظمة والقوانين السعودية، بل يعتدون على حقوق الحجاج والمعتمرين النظاميين من مختلف دول العالم، الذين تكبّدوا العناء والتكاليف والتزموا بالقنوات الرسمية للحصول على تصاريحهم.
إنّ تجاوز الأعداد المقررة للحج أو العمرة لا يهدد النظام فحسب، بل يعرض حياة الجميع للخطر، ويُجهد البنية التحتية، ويخلق أزمات صحية وأمنية لا تُحمد عقباها.
المملكة قررت من منطلق مسؤوليتها الدينية والسيادية أن يكون أداء المناسك في بيئة منظمة وآمنة. وهي حين ترفض دخول من لا يحملون التصاريح اللازمة، فإنما تحمي أرواح الناس وتُحافظ على قدسية المكان. وليس من المقبول أن تُستغل هذه المواقف لتأجيج الرأي العام أو اتهام المملكة بما ليس فيها، كما يحاول البعض على منصات التواصل الاجتماعي.
وعليه، فلا بد من أن تقوم الجهات الرسمية في الدول التي يثير مخالفوها هذه الفوضى بدورها الكامل، بدءاً من التحقيق مع الشركات التي قد تكون ضللت هؤلاء إن أحسنا النية، ومروراً بمحاسبة كل من تواطأ أو تلاعب أو تاجر بهذه الشعيرة المقدسة، وانتهاءً بحملة توعوية شاملة تؤكد أن زيارة بيت الله الحرام عبادة لا يُمكن أن تُؤدى بـ«التحايل»، بل بالنية الصادقة والطريق المشروع.
الرسالة واضحة وبسيطة: الحج أو العمرة عبادة خالصة لله، لا تُؤدى بالمخادعة ولا تُكتسب بالفهلوة. وكل من يحاول الالتفاف على النظام عليه أن يتحمل مسؤولية فعله، وعلى دولته أن تحاسبه وتمنع تكرار هذه التجاوزات. أما السعودية، فقد أدّت واجبها بأقصى درجات المهنية والرحمة، ولا يسعنا إلا أن نرفع العقال احتراماً لهذه الجهود العظيمة.
ولذلك نقول لكل من يحاول التحايل على أنظمة الحج: اتقِ الله، فعبادة الله لا تُؤدى بالمخالفة، ولا تُقرب بالتحايل، ولا يُنال ثوابها وأنت تهدد سلامة الآخرين. عبادة الله ليست بالفهلوة يا باشا!
أخبار ذات صلة
0 تعليق