غذاء الغد البتروبروتين 'مجبوس نفط'

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كلوروفيل

نعم كما قرأت عزيزي القارئ، فقد جرت العادة على ربط المنتجات البترولية بالغاز والطاقة، والنقل والوقود. والمشتقات البتروكيماوية...نعم فهذه حقيقة ثابتة، لكن ماذا بعد؟

قبل أن اتطرق في الحديث عن العنوان، أود أن أبدأ بنبذة تاريخية قصيرة عن بداية المنتجات البترولية عموما.

يعود تاريخ المنتجات البترولية إلى عام 1872، عندما توصل الكيميائي روبرت الى استخراج بلسم شمعي من بقايا زيتية مخلفة من آبار النفط، اسماه "فازلين".

وبعد بضع سنوات، وتحديدا في العام 1913، بدأت السيدة مايبيلين ويليامز بوضع عوامل مساعدة لصنع مادة هلامية عميقة اللون، من المادة المستخرجة، لتبدأ اطلاق شركتها التجميلية ذات الاسم العالمي.

أعقب ذلك مباشرة إنشاء الكثير من خطوط الإنتاج، من مئات المشتقات الأخرى من النفط، والتي اتجهت إلى السوق على شكل شموع وعطور، ومواد تجميل، واسمدة ومبيدات حشرية، وغيرها الكثير.

وابتعد عن المفهوم الشائع من المنتجات المشتقة، والمتعارف عليها والمستساغة لدى الجميع، وأعود الى عنوان المقالة، فالكثير منا لا يعلم ماذا خلف أبواب مختبرات الهندسة الوراثية، وتحديدا في المختبرات التخصصية لتحضير الغذاء المعدل وراثيا.

يدرس علماء الوراثة تحضير مواد بروتينية من الذهب الأسود اللزج (البترول)، وجاءت هذه الأبحاث والدراسات، كخطوة لحل أزمة المجاعة، والتغلب عليها، إذ أنها أصبحت مشكلة عالمية مع الزيادة السكانية المطردة، حاليا بعد ان وصل تعداد سكان العالم الى ما يفوق ثمانية مليارات من البشر.

وتنحصر هذه التجارب بنظرية علمية في استخراج مواد البروتين من المواد الهيدروكربونية، نتيجة للمخلفات البشرية السابقة، التي كونت هذا النفط، وتشبه هذه العملية الى حد كبير عملية استخلاص الروب (الزبادي) من الحليب السائل، بمساعدة الخميرة.

هذه الخمائر والفطريات لها القدرة على النمو في الوسط النفطي، وتم اكتشافها عندما تكررت شكاوى العاملين في مجال الطيران من أن خزانات الوقود في الطائرة تتعرض لهجوم كثيف من كائنات دقيقة، تمثل خطر على حياة المسافرين جوا، وتؤدي إلى انسداد مجرى التزويد في الطائرات، وتسبب الكثير من الحوادث.

كانت هذه الشرارة التي انطلق منها علماء الاحياء الدقيقة فدرسوا هذا النوع من الكائنات المجهرية الدقيقة، واكتشفوا معدل نموها السريع والكبير، وتخليقها البروتين من النفط. وبدورهم سلموها إلى علماء الهندسة الوراثية، بعد فك شفرتها، ليجدوا انها تحتوي على اكثر من 70 في المئة من وزنها من البروتين، الذي لا يقل جوده عن البروتين الحيواني والسمكي، والنباتي، وهي مشابهة الى حد كبير بتركيبها لمنتج فول الصويا، وتركيب بروتين الأسماك تحديدا.

توالت الدراسات بعد هذا الاكتشاف الخطير، وعكف العلماء على تجفيف البروتين، وخلطه مع الدهون الحيوانية، وأضافوا له محسنات الطعم واللون والرائحة، وتم خلطه مع الماء لانتاج عجينة بروتينية، تقدم على شكل نقانق، او "همبورغر"، أو شرائح لحم طبيعي، ويطلق عليها "بتروبروتين"، واضافوا لها منكهات بطعم الدجاج واللحم.

ولم تظهر أي أعراض ضارة، أو تسمم على الحيوانات التي تناولتها، أو الانسان الذي تناول تلك الحيوانات، فقد كان البروتين مقبول الطعم.

الجدير ذكره، أن كثيراً من المنتجات الغذائية المشتقة من النفط، أخذت طريقها لسوق الغذاء منذ فترة، منها الحلوى والعلك وبعض الزيوت، لكن إلى الآن لم يتوصل العلم بعد الى تقديم طبق من البروتين البترولي للإنسان على هيئة وجبة مباشرة، لكن لا نستبعد أن يكون طبق "الزوارة" المقبل "مجبوس نفط"، وتزين موائدنا في رمضان "تشريبة الذهب الأسود"... والى مستقبل أخضر، ومستدام ومثمر، ان شاء الله.

دكتوراة علم نبات، كاتبة كويتية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق