على مدى ثلاثة عقود لم تكن القوانين العقارية في الكويت مجرد نصوص جامدة بل لعبت دوراً محورياً في تشكيل ملامح السوق العقاري بين فترات ضبط الملكية ومرحلة الانفتاح وصولاً إلى محاولات كبح المضاربات وتحقيق التوازن، وهي الفترة التي اتسمت بحراك قانوني وتشريعي ملحوظ بدءًا من التنظيم والتقنين مرورا بالانفتاح على الاستثمار وأخيرا التحكم بالاحتكار وتعزيز العدالة في التملك.
في هذا المقال نستعرض أبرز التحولات القانونية والعقارية في الكويت مقسمة إلى فترات زمنية متعاقبة كل خمس سنوات مع تسليط الضوء على القوانين الصادرة والتعاميم التنظيمية والانعكاسات على السوق العقاري.
تقنين العلاقة بين المواطن والدولة
تمثل الفترة من (1995 – 2000) بداية التحول إلى تقنين العلاقة بين المواطن والدولة، فخلال هذه المرحلة اتخذت الدولة خطوة نوعية بإصدار قانون رقم 33 لسنة 2000، لمعالجة ادعاءات الملكية على أراضٍ تابعة للدولة، وهذا القانون جاء كإطار قانوني لحل واحدة من أعقد المشكلات العقارية في ذلك الوقت وهي "وضع اليد" و"الملكية غير الرسمية". وفي الوقت نفسه أقر قانون الإعفاء من القروض العقارية لتخفيف الأعباء عن المواطنين وصدرت تعاميم تنظم إجراءات تسجيل الرهون والوصايا والأوقاف.
وبدأت العلاقة بين المواطن والدولة تتخذ طابعًا أكثر قانونية وتنظيمًا، حيث فتحت هذه القوانين المجال لتسوية أوضاع عقارية معلقة منذ سنوات ووفرت غطاءً قانونيا ساهم في تنشيط التداول العقاري خاصة في المناطق المتأثرة بوضع اليد أو النزاع.
التنظيم المؤسسي
تعتبر الفترة من (2000 – 2005) مرحلة الدخول في التنظيم المؤسسي، فمع دخول الألفية تغيرت النظرة إلى العقار من مجرد أداة سكنية أو استثمارية فردية إلى قطاع اقتصادي متكامل. بدأت الدولة في ضبط المعاملات العقارية بطريقة أكثر مهنية من خلال (تعزيز دور إدارة التسجيل العقاري في إصدار الوثائق الرسمية)، و(فرض شروط أوضح على تسجيل الرهون) و(تنظيم عمل المطورين العقاريين وتسجيل مشروعاتهم).
وشهد السوق تحسنا في جودة المعاملات ووضوحها، حيث بدأ القطاع العقاري يشهد دخول شركات أكثر تنظيمًا وقلت حالات التسجيل العشوائي أو المعاملات غير الموثقة، بمعنى آخر أصبحت السوق العقارية تميل إلى الاحتراف المؤسسي.
النمو السريع
أما الفترة من (2005 – 2010) فهي تمثل النمو السريع وظهور تحديات جديدة، فهذه السنوات كانت فترة انتعاش حقيقي للسوق العقاري، لأن الطلب زاد بشكل واضح خاصة على العقارات الاستثمارية وبدأت الدولة تتوسع في إنشاء مدن جديدة، وفي المقابل برزت الحاجة لتشريعات تحمي المشترين خصوصاً في مشاريع "البيع على الخارطة".
وبرغم هذا النمو برزت مشكلات جديدة مثل غموض بعض العقود الجماعية وصعوبة توثيق الحيازات المشتركة وغياب تنظيم دقيق لتسويق المشاريع العقارية، فالسوق كان نشطا لكنه بحاجة إلى أدوات قانونية حديثة تتواكب مع هذا الحجم من التطور.
أكثر انضباطاً
وتمثل (2010 – 2015) بيئة عقارية أكثر انضباطا، حيث بدأت الدولة بالعمل على مشروع قانون السجل العيني وهو نقلة نوعية من حيث توثيق الملكيات وربطها بالواقع المكاني والمنظم، كما تم تقنين تسجيل الدعاوى العقارية وربطها بالسجلات الرسمية وتحديث بعض القوانين القديمة لتجنب التعارض أو الغموض.
وكان لهذه المرحلة تأثير واضح في زيادة الشفافية وقلّة النزاعات، حيث أصبح السوق أكثر وضوحًا من حيث من يملك وما يملك وكيف، مما رفع من جاذبية الاستثمار العقاري خاصة للمشترين الجادين الذين يبحثون عن بيئة قانونية مستقرة.
الانفتاح الاستثماري
وشهدت الفترة من (2015 – 2020) الانفتاح الاستثماري المضبوط، مع صدور قانون الاستثمار الأجنبي رقم 116 لسنة 2013 بدأت الدولة بالسماح لبعض الكيانات بتملك عقارات وفق شروط محددة، كما تم تنظيم تملك الخليجيين وجرى طرح قانون الرهن العقاري للنقاش دون أن يتم إقراره، ما أدى إلى دخول استثمارات خليجية ومحلية جديدة.
لكن السوق ظل يعاني من تحديات أهمها غياب قانون منظم للتمويل العقاري ما جعل المضاربات العقارية تتوسع بشكل غير مستدام.
إصلاحات تشريعية
وتمثل الفترة من (2020 – 2025) مرحلة إصلاحات تشريعية لكبح الاحتكار وتحقيق العدالة، ففي هذه المرحلة، بدأت الدولة تتدخل بقوة من خلال (قانون 126 لسنة 2023 الذي فرض رسوما على الأراضي الفضاء غير المبنية) و (مرسوم 7 لسنة 2025 بالسماح لأبناء الكويتيات وبعض الكيانات الاستثمارية بتملك عقارات بشروط) و (تطبيق قانون السجل العيني رقم 21 لسنة 2019 بشكل فعلي) و(إعادة تحريك مشروع قانون الرهن العقاري).
وكان لذلك أبلغ الأثر، حيث أصبحنا نرى بوادر تصحيح في الأسعار وتقلصًا في فجوة العرض والطلب. لم يعد العقار فقط أداة لتكديس الثروة بل بدأ يتحول إلى سوق تداول حقيقي ومتوازن يخضع لضوابط واشتراطات عادلة.
وفي الختام، 30 عاما من التحول في فلسفة العقار ما بين العام 1995 وحتى 2025 تطورت القوانين العقارية في الكويت من أدوات تنظيم بسيطة إلى منظومة تشريعية متكاملة تهدف لحماية الحقوق وضمان العدالة وتحفيز الاستثمار المنضبط.
العقار لم يعد مجرد سلعة بل بات ركيزة اقتصادية واجتماعية يرتبط بالسكن والاستثمار والتنمية. واستمرار تطوير التشريعات العقارية هو ما سيضمن أن تظل هذه المنظومة قادرة على مواكبة تطلعات الأفراد والشركات ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
المستشار القانوني العقاري
0 تعليق