«الدراسات القضائية»: المُبلغ شريك أساسي لكشف الفساد

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نظم معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية صباح اليوم الحلقة العلمية «حماية المبلغ في قانون مكافحة الفساد» والتي تستمر على مدى يومين بمشاركة نخبة من القضاة والأكاديميين والمتخصصين والقياديين في مختلف الجهات الحكومية.

وقال مدير المعهد وكيل محكمة الاستئناف المستشار هاني الحمدان إن هذه الحلقة العلمية تأتي كمنصة إقليمية لتبادل الخبرات والرؤى القانونية والمؤسسية، حول واحدة من القضايا الجوهرية في إطار مكافحة الفساد، ألا وهي حماية المبلغ، باعتباره شريكاً أساسياً في كشف الفساد، وركيزة لا غنى عنها في منظومة النزاهة والشفافية.

‏وتابع الحمدان «لأن البلاغ عن الفساد لا يمكن أن يتحقق دون وجود بيئة حامية وداعمة للمبلغ، فإننا نولي هذا الموضوع بالغ الأهمية، لما له من انعكاسات على ثقة الأفراد بالمؤسسات وبالتالي تطور وأمن المجتمعات»، مضيفاً أنه في هذه الحلقة العلمية يتم عرض باقة محورية من الموضوعات المتخصصة، تبدأ بمفهوم البلاغ عن الفساد والإطار القانوني لحماية المبلغ، ثم يليها حقوق المبلغ وواجباته، وشكل البلاغ وآليات تقديمه، قبل أن نحلل التحديات التي تواجه المبلغ، والدور المحوري الذي تضطلع به المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الصدد، فضلا عن الدور التوعوي والتأثيري الذي تؤديه وسائل الإعلام، وصولاً إلى استعراض النتائج المتوقعة والتوصيات المقترحة.

البنيان: مكافحة الفساد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الوطني ولا ازدهار للمجتمعات دون أجهزة فعّالة لإنفاذ القانون

ومن جانبه، أكد رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية د. عبدالمجيد البنيان أن تنظيم الجامعة لهذه الحلقة، يأتي في إطار تعزيز التعاون العربي في المجالات العدلية والقانونية، وضمن سعي الجامعة بصفتها الجهاز العلمي لمجلس وزراء الداخلية العرب والعضو المراقب في مجلس وزراء العدل العرب، لمكافحة جرائم الفساد والجرائم الاقتصادية التي تضعها الجامعة ضمن أولوياتها العلمية.

‏وشدد البنيان على أن مكافحة الفساد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الوطني، إذ لا يمكن للمجتمعات أن تنعم بالازدهار والنماء دون أن تكون هناك أجهزة فعّالة لإنفاذ القانون، تكون قادرة على مواجهة الفساد، في ظل تشريعات وطنية ودولية تمكن هذه المؤسسات من أداء دورها المنوط بها، مؤكداً أهمية دور القطاع الأكاديمي الذي يمكنه أن يؤدي دورًا فاعلاً في تعزيز جهود مكافحة الفساد، من خلال بناء القدرات وإجراء الدراسات التي تدعم اتخاذ القرار وصياغة السياسات الملائمة للمواجهة الفعّالة للفساد بجميع أنواعه.

‏وأضاف «في نوفمبر الماضي، أقر المجلس الأعلى للجامعة، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعود، وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية، الخطة الجديدة للجامعة، التي انطلقت مع بداية هذا العام الميلادي 2025، وتمتد لخمس سنوات، وتهدف إلى وصول الجامعة إلى الريادة في مجال العلوم الأمنية والبناء على ما تحقق في الخطَّة السابقة التي شهدت إطلاق مجموعة من برامج الدراسات العليا في مجالات حيوية، مثل، القانون الجنائي، وعلم الجريمة، والجرائم السيبرانية والاقتصادية، والأمن الوطني».

وتابع: كما شهدت تقديم برنامج منح دراسية لاستقطاب الطلبة المميزين، استفاد منه مئات الطلاب من مختلف الدول العربية، ونسعد اليوم بأن طلبة الجامعة يأتون من 15 بلدًا عربيًا، ويُسعدنا أنَّ الجامعة تستقبل سنويا عددًا من الطلبة الكويتيين الذين أثبتوا تميزهم وتفوقهم، ودشنت الجامعة ستة مراكز متخصصة، منها: المركز المشترك المشار إليه سابقا. وخمسة أخرى تُغطي الأولويات البحثية للجامعة، كان آخرها مركز الذكاء الاصطناعي الأمني.

‏وقال البنيان إن جهود الخطة السابقة توجت بحصول الجامعة على الاعتماد المؤسسي الكامل من هيئة تقويم التعليم والتدريب في المملكة العربية السعودية، كما حصلت الجامعة على الاعتماد المؤسسي لجميع برامجها التدريبية من مجلس التدريب والتعليم الأميركي «أست».

مفهوم البلاغ

وفي الجلسة الأولى، تحدث المستشار سعود الصانع عن مفهوم البلاغ عن الفساد، وقال إن الأنظمة القانونية التقليدية كانت تنظر إلى البلاغ كأداة لإشعار السلطة بوقوع جريمة، وكان البلاغ من غير المجني عليه يرتبط في الغالب بمفهوم «الوشاية»، وهو ما خلق نوعاً من التحفظ المجتمعي حول المبلغ، الذي لم يكن يحظى باعتبار اجتماعي، «إذ لم تكن ثمة وسائل قانونية تشجع على البلاغ، أو تحمي المبلغ».

وذكر أن مفهوم البلاغ تطور بحيث انعكس تطور الأنظمة القانونية على البلاغ كأداة أساسية من أدوات العدالة الجنائية، وأصبحت تنظر إلى المبلغ على أنه شريك فعال للعدالة في حماية المجتمع، وليس خصما في الدعوى، مشيراً إلى أن التشريعات أصبحت تمنح صلاحية البلاغ لأي شخص علم بوقوع جريمة ولو لم يكن مجنيا عليه، وذلك باعتباره واجباً قانونياً، وهو ما حدا بهذه الأنظمة إلى استحداث وسائل قانونية تشجع على تقديم البلاغ، وتحمي المبلغ.

وبين الصانع أن الفساد يشكل تحدياً كبيراً لأي دولة، إذ تمتد مخاطره لتؤثر على استقرار المجتمعات، وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديموقراطية، والقيم الأخلاقية، والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر، مضيفاً أنه إزاء قلق المجتمعات من الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصاً الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما فيها

غسل الأموال، لم يعد الفساد شأناً محلياً بل ظاهرة غير وطنية تمس كل المجتمعات، والاقتصادات، مما يجعل التعاون الــدولــي عـلـى منعه ومكافحته أمرا ضرورياً.

واستعرض مجموعة من جرائم الكسب غير المشروع والتي جميعها بدأت ببلاغ على سبيل المثال اختلاسات ناقلات النفط الكويتية التي حكم فيها على مجموعة متهمين برد 515 مليون دولار، واختلاسات مكتب الاستثمارالكويتي والتي قضت المحكمة فيها بحبس المتهمين وإلزامهم برد 241 مليون دولار، فضلاً عن اختلاسات التأمينات وحبس المتهم مؤبداً والزامه برد 82 مليون دولار ومصادرة أملاكه، واختلاسات صندوق الجيش التي حكم فيها حبس المتهمين فيها وإلزامهم برد 88 مليون دولار.

من جانبها، تحدثت الاستاذة المشاركة في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. إيمان القطان عن «الإطار القانوني لحماية المبلغ»، قائلة إن حماية المبلغين عن جرائم الفساد بدأت في التسعينيات نتيجة لتفشي ظاهرة استمراء الفساد بمعنى ان يتعود المجتمع وجود الفساد، مستشهدة بمقولة أحد الخبراء العامليين الذي ذكر أنه بعد الحرب العالمية الثانية انتشرت ظاهرة تقبل المجتمعات للفساد.

وأوضحت القطان أن التشريعات في الكويت استمدت تأسيسها لمكافحة الفساد من الاتفاقية الدولية للامم المتحدة، مبينة أن الهدف الأساسي من توفير حماية للمبلغين هو وجود دافع للكشف عن جرائم الفساد دون إلحاق أي ضرر بهم.

وقالت إن أكبر سبب يجعل الأشخاص تمتنع عن التبليغ هو التكاسل والسبب الآخر هو أن المبلغ قد يجد نفسه في لحظة ضعف متورطاً في إحدى جرائم الفساد مثل الرشوة واختلاس المال العام والكسب غير المشروع علاوة على الواسطة التي من الممكن أن تدخل في الفساد، مضيفة أن المشرع وضع شروطاً لحماية المبلغ على رأسها الجدية في تقديم البلاغ عبر دلائل ومستندات توضح وجود جريمة فساد.

وذكرت أن المبلغ المتكاسل في جريمة جنائية لن يكون متهماً وفق التشريعات، أما إذا كانت جريمة فساد فسيعتبر الممتنع مرتكباً لجريمة الامتناع عن الفساد وفق أحكام قانون مكافحة الفساد.

وأضافت أن من الثغرات التي لابد من معالجتها أن حماية المبلغ لا تخدم العاملين في القطاع الأهلي، فضلاً عن أن مسألة جدية البلاغ لا ينبغي ان يقدمها المبلغ بقدر ما هي مسؤولية جهة كاملة ممثلة برجال الشرطة.

دور الهيئة العامة لمكافحة الفساد:

- إفهام المبلغ أنه سيكون مسؤولاً عما يدلي به

- تسلم البلاغات وإعداد سجل لقيدها

- فحص شروط البلاغ ومكافأة المبلغ

- دراسة البلاغ وإجراء طلب التحري

- حق رئيس الهيئة في العدول عن قرار الحفظ

- متابعة وقائع الفساد بالتنسيق مع الجهات المختصة

مقارنة بين القانون الكويتي والنظام السعودي... وآلية البلاغ

في الجلسة الثانية، قدم أستاذ القانون الجنائي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في السعودية د. محمد عبدالعاطي، دراسة تحليلية بين النظام السعودي والقانون الكويتي، قائلاً إن النظام السعودي حدد الأشخاص المشمولين بالحماية على سبيل الحصر وهم المبلغ والشاهد والخبير والضحايا، بينما أضاف القانون الكويتي إليهم العاملين بالهيئة العامة لمكافحة الفساد، مؤكداً أن الحماية تمتد لزوج المبلغ وأقاربه وسائر الأشخاص وثيقي الصلة به عند الاقتضاء.

وأضاف عبدالعاطي أنه وفق المادة الخامسة من النظام السعودي تكون لإدارة البرنامج صلاحية قبول المبلغين والشهود والخبراء والضحايا في البرنامج وتحديد نوع الحماية المقدمة لهم ومدتها ويكون ذلك بموجب قرار من إدراة البرنامج بناء على طلب أي منهم او بناء على طلب من جهة الاستدلال أو الضبط أو التحقيق، وفي المقابل أكد القانون الكويتي بموجب المادة 40 ان الحماية تبدأ بمجرد تقديم الطلب دون الحاجة لأي إجراءات أخرى سوى توافر دلائل جدية لدى المبلغ تبرر اعتقاده بصحة الواقعة محل البلاغ.

وأضاف أن الكويت افردت بعض النصوص بحماية المبلغين في استجابة جزئية عبر مواد قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد، بينما السعودية فقررت استجابة كاملة في 2023.

بدوره، عرض استاذ القانون الجزائي المشارك في كلية القانون الكويتية العالمية د. معاذ الملا آلية البلاغ عن جرائم الفساد عبر حلول تقنية فاعلة، ولفت إلى أهمية البلاغ لاعتبار عالمي لمواجهة ظاهرة الفساد واعتبار وطني من أجل التنمية واعتبار أخلاقي للكشف عن الفاسدين، فضلاً عن الاعتبار الامني الذي يحد من آثارها السلبية على مقومات الدولة ويكافح الجريمة، مضيفاً أن الالتزام بالإبلاغ عن جرائم الفساد حق وواجب طبقاً للمادتين 20 و37 من قانون «مكافحة الفساد».

وبين الملا أن القضاء الكويتي أكد في مناسبتين، الأولى في محكمة التمييز «أن من المقرر أن إبلاغ النيابة العامة بما يقع من الجرائم التي يجوز للنيابة رفع الدعوى الجزائية عنها بغير شكوى أو طلب يعتبر حقاً مقرراً لكل شخص بل واجباً عليه وعلى كل من علم بها، وذلك لحماية المجتمع من عبث الخارجين على القانون، ومن ثم فإن استعمال هذا الحق لا يترتب عليه أدنى مسؤولية من قبل المبلغ إلا إذا ثبت عدم صحة الواقعة المبلغ عنها».

خطوات البلاغ

ذكر الملا أن المادة 38 من اللائحة التنفيذية بينت آلية تقديم البلاغ إلى الهيئة مباشرة أو أي جهة أخرى مختصة ويشترط فيه بحسب الأصل:

1- أن يكون مكتوباً ومذيلاً بتوقيع واسم مقدمه وصفته وتاريخ تقديمه وعنوانه ووسيلة الاتصال به وأرقام

هواتفه، ويجوز للمبلغ الحضور بشخصه للهيئة وتقديم البلاغ شفاهة على أن يحرر الموظف المختص محضراً.

2- أن يتضمن توضيحاً كافياً لواقعة الفساد المبلغ عنها وزمان ومكان وقوعها والمصدر والكيفية والمناسبة معلومات أو دلائل أخرى تؤيد الواقعة، التي جعلته يعلم أو يقف على الواقعة المبلغ عنها وأسماء الأشخاص المتورطين فيها وصفاتهم.

3- أن يرفق به ما يكون تحت يديه من وثائق أو مستندات مؤيدة للواقعة المبلغ عنها متى توافر له ذلك.

4- أن يبين به صلته بالمبلغ ضدهم وهل سبق له الشكوى ضدهم في أي جهة وما تم فيها.

أخبار ذات صلة

0 تعليق